قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (٦٩)
(مَنْ أَلْقى) ما معنا ، وموضع أن مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر ، أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين ، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه ، وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته. وعلّم موسى اختيار إلقائهم أوّلا حتى :
٦٦ ـ (قالَ بَلْ أَلْقُوا) أنتم أوّلا ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه ويسلّط المعجزة على السحر فتمحقه ، فيصير آية نيّرة للناطرين وعبرة بينة للمعتبرين ، فألقوا (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) يقال في إذا هذه إذا المفاجأة ، والتحقيق أنها إذا الكائنة لمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها ، وخصّت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة ، والجملة ابتدائية لا غير ، والتقدير ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيّهم ، والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيّهم مخيّلة إليه السعي (يُخَيَّلُ) وبالتاء ابن ذكوان (إِلَيْهِ) إلى موسى (مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) رفع بدل اشتمال من الضمير في يخيّل ، أي يخيّل الملقى ، روي أنهم لطّخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيّلت ذلك.
٦٧ ـ (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) أضمر في نفسه خوفا ظنّا منه أنها تقصده للجبلّة البشرية ، أو خاف أن يخالج الناس شكّ فلا يتّبعوه.
٦٨ ـ (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) الغالب القاهر ، وفي ذكر إنّ وأنت وحرف التعريف ولفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بيّنة.
٦٩ ـ (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) بسكون اللام والفاء وتخفيف القاف حفص ، تلقّف ابن ذكوان ، الباقون تلقّف (ما صَنَعُوا) زوّروا (١) وافتعلوا ، أي اطرح عصاك تبتلع عصيّهم وحبالهم ولم يقل عصاك تعظيما لها ، أي لا تحتفل بما صنعوا فإنّ ما في يمينك أعظم منها ، أو تحقيرا ، أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيّهم ، وألق العويد الفرد
__________________
(١) في (ز) زورا.