(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠)
فأحبه فرعون حبا شديدا ، فذلك قوله (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) يتعلق مني بألقيت ، يعني إني أحببتك ، ومن أحبّه الله أحبّته القلوب ، فما رآه أحد إلا أحبّه. قال قتادة : كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبّه (وَلِتُصْنَعَ) معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحبّ ولتصنع (عَلى عَيْنِي) أي لتربّى بمرأى مني ، وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه ، يعني أنا مراعيك وراقبك (١) كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ، ولتصنع بسكون اللام والجزم يزيد على أنه أمر (٢).
٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي) بدل من إذ أوحينا ، لأن مشي أخته كان منة عليه (أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) روي أنّ أخته مريم جاءت متعرفة خبره ، فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها ، وكان لا يقبل ثدي امرأة ، فقالت : هل أدلكم على من يضمّه إلى نفسه فيربيه؟ وأرادت بذلك المرضعة (٣) ، وتذكير الفعل للفظ من ، فقالوا : نعم ، فجاءت بالأم ، فقبل ثديها ، وذلك قوله (فَرَجَعْناكَ) فرددناك (إِلى أُمِّكَ) كما وعدناها بقولنا : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) (٤) (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) لمقامك (٥) (وَلا تَحْزَنَ) على فراقك (وَقَتَلْتَ نَفْساً) قبطيا كافرا (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) من القود. قيل الغم : القتل بلغة قريش ، وقيل اغتم بسبب القتل خوفا من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون ، فغفر الله له باستغفاره حين (٦) (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (٧) ونجاه من فرعون بأن ذهب (٨) به من مصر إلى مدين (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن وتخليصك منها ، والفتون مصدر كالقعود ، أو جمع فتنة أي فتناك ضروبا من الفتن ، والفتنة المحنة ، وكلّ ما يبتلي الله به عباده فتنة (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٩) (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) هي بلدة شعيب عليهالسلام على ثمان مراحل من مصر ، قال وهب (١٠) : لبث عند شعيب ثمانيا وعشرين سنة عشر منها مهر لصفوراء
__________________
(١) في (ظ) و (ز) مراقبك.
(٢) زاد في (ظ) و (ز) منه.
(٣) زاد في (ز) الأم.
(٤) القصص ، ٢٨ / ٧.
(٥) في (ظ) و (ز) بلقائك.
(٦) ليست في (ظ) و (ز) وفي (أ) فغفر الله باستغفاره.
(٧) القصص ، ٢٨ / ١٦.
(٨) في (أ) بأن ذهبت من مصر.
(٩) الأنبياء ، ٢١ / ٣٥.
(١٠) وهب : هو وهب بن منبه. سبق ترجمته في ٢ / ١١١.