(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤٤)
وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي موعد ومقدار للرسالة ، وهو أربعون سنة.
٤١ ـ (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي لتتصرّف على إرادتي ومحبتي ، قال الزّجّاج : اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي ، كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم.
٤٢ ـ (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) بمعجزاتي (وَلا تَنِيا) تفترا من الوني وهو الفتور والتقصير (فِي ذِكْرِي) أي اتخذا ذكري جناحا تطيران به ، أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة ، فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها.
٤٣ ـ (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) كرر لأنّ الأول مطلق والثاني مقيد (إِنَّهُ طَغى) جاوز الحدّ بإدعائه الربوبية.
٤٤ ـ (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) الطفا له في القول لما له من حقّ تربية موسى ، أو كنّياه وهو من ذوي الكنى الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرّة ، أو عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع عنه إلا بالموت ، أو هو قوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١) فظاهره الاستفهام والمشورة (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق (أَوْ يَخْشى) أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجرّه إنكاره إلى الهلكة ، وإنما قال لعله يتذكر مع علمه أنه لا يتذكر لأن التّرجي لهما ، أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله ، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة ، وقيل معناه لعله يتذكر متذكّر أو يخشى خاش ، وقد كان ذلك من كثير من الناس ، وقيل لعل من الله تعالى واجب وقد تذكّر ، ولكن حين لم ينفعه التذكّر ، وقيل تذكّر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان ، وكان لا يقطع أمرا دونه ، وتليت عند يحيى بن معاذ (٢) فبكى وقال : هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله؟ وهذا رفقك بمن قال أنا ربّكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى؟
__________________
(١) النازعات ، ٧٩ / ١٨ ـ ١٩.
(٢) يحيى بن معاذ سبق ترجمته في ١٨ / ١١٠.