(إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٢)
ليتأسى به في تحمّل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى.
١٠ ـ (إِذْ رَأى) ظرف لمضمر ، أي حين رأى (ناراً) كان كيت وكيت ، أو مفعول به لا ذكر ، روي أنّ موسى عليهالسلام استأذن شعيبا في الخروج إلى أمّه وخرج بأهله فولد له في الطريق ابن (١) في ليلة مظلمة مثلجة ، وقد ضلّ الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده ، وقدح فصلد زنده ، فرأى عند ذلك نارا في زعمه وكان نورا (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) أقيموا في مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ) أبصرت (ناراً) والإيناس رؤية شيء يؤنس به (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها) بنى الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به (بِقَبَسٍ) نار مقتبسة في رأس عود أو فتيلة (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) ذوي هدى ، أو قوما يهدونني الطريق ، ومعنى الاستعلاء في على النار أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها.
١١ ـ (فَلَمَّا أَتاها) أي النار وجد نارا بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها وكانت شجرة العناب أو العوسج ، ولم يجد عندها أحدا ، وروي أنه كلما طلبها بعدت عنه ، فإذا تركها قرّبت منه ، فثمّ (نُودِيَ) موسى (يا مُوسى).
١٢ ـ (إِنِّي) بكسر الهمزة أي نودي فقيل يا موسى إني ، أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته ، وبالفتح مكي وأبو عمرو ، أي نودي بأني (أَنَا رَبُّكَ) أنا مبتدأ ، أو تأكيد ، أو فصل ، وكرّر الضمير لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة ، روي أنه لما نودي يا موسى قال : من المتكلم؟ فقال الله عزوجل : أنا ربّك ، فعرف أنه كلام الله عزوجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست ، وسمعه بجميع أعضائه (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس ، أو لأنها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ ، أو لأنّ الحفوة تواضع لله ، ومن ثمّ طاف السلف بالكعبة حافين ، والقرآن يدل على أنّ ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها ، فخلعهما وألقاهما من وراء الوادي (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المطهّر أو المبارك (طُوىً) حيث كان منوّن شامي
__________________
(١) في (ظ) و (ز) فولد له ابن في الطريق.