(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (٧٦)
٧٤ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) فكم مفعول أهلكنا ومن تبيين لإبهامها ، أي كثيرا من القرون أهلكنا ، وكلّ أهل عصر قرن لمن بعدهم (هُمْ أَحْسَنُ) في محلّ النصب صفة لكم ، ألا ترى أنك لو تركت هم كان أحسن نصبا على الوصفية (أَثاثاً) هو متاع البيت أو ما جدّ من الفرش (وَرِءْياً) منظرا وهيئة ، فعل بمعنى مفعول من رأيت ، وريا بغير همز مشددا نافع وابن عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الإدغام ، أو من الريّ الذي هو النعمة.
٧٥ ـ (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) الكفر (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) جواب من لأنها شرطية ، وهذا الأمر بمعنى الخبر ، أي من كفر مدّ له الرحمن يعني أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغيانا وضلالا كقوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (١) وإنما أخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك ، وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضّلّال (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) هي متصلة بقوله خير مقاما وأحسن نديّا ، وما بينهما اعتراض ، أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين (إِمَّا الْعَذابَ) في الدنيا ، وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والأسر (وَإِمَّا السَّاعَةَ) أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنّكال ، فهما بدلان من ما (٢) يوعدون (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) منزلا (وَأَضْعَفُ جُنْداً) أعوانا وأنصارا ، أي فحينئذ يعلمون أنّ الأمر على عكس ما قدّروه ، وأنهم شرّ مكانا وأضعف جندا لا خير مقاما وأحسن نديّا ، وأنّ المؤمنين على خلاف صفتهم ، وجاز أن تتصل بما يليها ، والمعنى إنّ الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكّون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين ، أو يشاهدوا الساعة ، وحتى هي التي يحكى بعدها الجمل ألا ترى أنّ الجملة الشرطية واقعة بعدها ، وهي قوله إذا رأوا ما يوعدون .. فسيعلمون.
٧٦ ـ (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) معطوف على موضع فليمدد لوقوعه موضع الخبر تقديره من كان في الضلالة مدّ أو يمدّ له الرحمن ويزيد ، أي يزيد في
__________________
(١) آل عمران ، ٣ / ١٧٨.
(٢) في (ز) مما.