(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (٧٣)
المشهورة على الالتفات ، وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (١) وقوله : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢) وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها ، وعن الحسن وقتادة : الورود المرور على الصراط ، لأن الصراط ممدود عليها ، فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار ، وعن مجاهد : ورود المؤمن النار هو مسّ الحمّى جسده في الدنيا لقوله عليهالسلام : (الحمّى حظّ كلّ مؤمن من النار) (٣) وقال رجل من الصحابة لآخر : أيقنت بالورود؟ قال : نعم ، وأيقنت بالصدر؟ قال : لا ، قال : ففيم الضّحك وفيم التثاقل!؟ (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي كان ورودهم واجبا كائنا محكوما به (٤) ، والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمّي به الموجب ، كقولهم ضرب الأمير.
٧٢ ـ (ثُمَّ نُنَجِّي) وعليّ بالتخفيف (الَّذِينَ اتَّقَوْا) عن الشرك وهم المؤمنون (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) فيه دليل على دخول الكلّ لأنه قال ونذر ولم يقل وندخل ، والمذهب أنّ صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة ، وقالت المرجئة الخبيثة : لا يعاقب لأنّ المعصية لا تضرّ مع الإسلام عندهم ، وقالت المعتزلة يخلّد.
٧٣ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي القرآن (بَيِّناتٍ) ظاهرات الإعجاز ، أو حججا وبراهين حال مؤكدة كقوله : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (٥) إذ آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججا (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي مشركو قريش وقد رجّلوا شعورهم وتكلّفوا في زيهم (لِلَّذِينَ آمَنُوا) للفقراء ورؤوسهم شعثة وثيابهم خشنة (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) نحن أم أنتم (خَيْرٌ مَقاماً) بالفتح ، وهو موضع القيام ، والمراد المكان والمسكن ، وبالضم مكي ، وهو موضع الإقامة والمنزل (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة ، ومعنى الآية أنّ الله تعالى يقول إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبّر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى :
__________________
(١) القصص ، ٢٨ / ٢٣.
(٢) الأنبياء ، ٢١ / ١٠١ وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) البزار عن عائشة رضي الله عنها.
(٤) في (ظ) كائنا محكوما ، وفي (ز) كائنا محتوما.
(٥) فاطر ، ٣٥ / ٣١.