(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٤١)
منهما بعد ما كانوا عميا في الدنيا ، قال قتادة : إن عموا وصمّوا عن الحقّ في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم ، وبهم مرفوع المحلّ على الفاعلية كأكرم بزيد ، فمعناه كرم زيد جدا (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ) أقيم الظاهر مقام المضمر ، أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ، ووضعوا العبادة في غير موضعها (فِي ضَلالٍ) عن الحقّ (مُبِينٍ) ظاهر ، وهو اعتقادهم عيسى إلها معبودا مع ظهور آثار الحدث فيه إشعارا بأن لا ظلم أشدّ من ظلمهم.
٣٩ ـ (وَأَنْذِرْهُمْ) خوّفهم (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على ما فات ، وفي الحديث : (إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا) (١) (إِذْ) بدل من يوم الحسرة ، أو ظرف للحسرة وهو مصدر (قُضِيَ الْأَمْرُ) فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) هنا عن الاهتمام لذلك المقام (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدّقون به ، وهم وهم حالان ، أي وأنذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين.
٤٠ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء ، وذكر من لتغليب العقلاء (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) بضم الياء وفتح الجيم ، وفتح الياء يعقوب ، أي يردّون فيجازون جزاء وفاقا.
٤١ ـ (وَاذْكُرْ) لقومك (فِي الْكِتابِ) القرآن (إِبْراهِيمَ) قصته مع أبيه (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) بغير همز ، وهمزه نافع ، قيل الصادق المستقيم في الأفعال ، والصدّيق المستقيم في الأحوال ، فالصّدّيق من أبنية المبالغة ونظيره الضّحّيك ، والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدّق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله ، أي كان مصدّقا لجميع الأنبياء وكتبهم ، وكان نبيا في نفسه ، وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو :
__________________
(١) لم أجده هكذا والذي في الطبري عن عبد الله في قصة ذكرها قال : ما من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار وهو يوم الحسرة ، فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعد الله لهم لو آمنوا فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة. فتأخذهم الحسرة ، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال : لو لا أن منّ الله عليكم.