(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٣٠)
السفهاء ، وفيه دليل على أنّ السكوت عن السفيه واجب ، وما قدع (١) سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض (٢) ، وإنّما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة ، وقد تسمى الإشارة كلاما وقولا ، ألا ترى إلى قول الشاعر في وصف القبور : وتكلّمت عن أوجه تبلى (٣). وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام ، أو سوّغ لها هذا القدر بالنطق (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) آدميا.
٢٧ ـ (فَأَتَتْ بِهِ) بعيسى (قَوْمَها) بعد ما طهرت من نفاسها (تَحْمِلُهُ) حال منها ، أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) بديعا عجيبا ، والفري القطع ، كأنه يقطع العادة.
٢٨ ـ (يا أُخْتَ هارُونَ) وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل ، أو هو أخو موسى عليهالسلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة ، وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم ، أو رجل صالح أو طالح في زمانها شبّهوها به في الصلاح أو شتموها به (ما كانَ أَبُوكِ) عمران (امْرَأَ سَوْءٍ) زانيا (وَما كانَتْ أُمُّكِ) حنّة (بَغِيًّا) زانية.
٢٩ ـ (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) إلى عيسى أن يجيبهم ، وذلك أنّ عيسى عليهالسلام قال لها : لا تحزني وأحيلي بالجواب عليّ ، وقيل أمرها جبريل بذلك ، ولمّا أشارت إليه غضبوا وتعجّبوا و (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ) حدث ووجد (فِي الْمَهْدِ) المعهود (صَبِيًّا) حال.
٣٠ ـ (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ولمّا أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم ، روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع : إني عبد الله ، وفيه ردّ لقول النصارى (آتانِيَ الْكِتابَ)
__________________
(١) قدع السفيه : كفّه (القاموس ٣ / ٦٥).
(٢) العراض : الكلام الكثير ، معظم الحديث (القاموس ٢ / ٣٣٥).
(٣) لم أصل إلى أصله.