(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٦)
الإلهية ويتبرأون منها (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) بإشراككم لهم ، وعبادتكم إياهم ، ويقولون : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) (١) (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولا ينبّئك أيها المفتون بأسباب الغرور كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور ، وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به ، يريد أنّ الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به ، والمعنى أنّ هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحقّ لأني خبير بما أخبرت به.
١٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) قال ذو النون : الخلق محتاجون إليه في كلّ نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عن الأشياء أجمع (الْحَمِيدُ) المحمود بكلّ لسان ، ولم يسمّهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض عن الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغني الذي هو مطعم الأغنياء ، وذكر الحميد ليدلّ به على أنه الغني النافع بغناه خلقه ، الجواد المنعم عليهم ، إذ ليس كلّ غنيّ نافعا بغناه إلا إذا كان الغني جوادا منعّما ، فإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم. قال سهل : لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادّعى الغنى حجب عن الله ، ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه. فينبغي للعبد أن يكون مفتقرا بالسرّ إليه ومنقطعا عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة ، فالعبودية هي الذّلّ والخضوع وعلامته أن لا يسأل من أحد. وقال الواسطي : من استغنى بالله لا يفتقر ، ومن تعزز بالله لا يذل. وقال الحسين (٢) : على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيا بالله ، وكلما ازداد افتقارا ازداد غنى. وقال يحيى : الفقر خير للعبد من الغنى لأنّ المذلة في الفقر والكبر في الغنى ، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلّة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال. وقيل صفة الأولياء ثلاثة : الثقة بالله في كلّ شيء ، والفقر إليه في كلّ شيء والرجوع إليه من كلّ شيء ، وقال الشبلي : الفقر يجرّ البلاء وبلاؤه كلّه عز.
١٦ ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) كلّكم إلى العدم ، فإن غناه بذاته لا بكم في القدم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو بدون حمدكم حميد.
__________________
(١) يونس ، ١٠ / ٢٨.
(٢) الحسين : لم أصل إلى معرفته وإن كان الراجح أنه من الزهاد.