(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (٥)
الجنس الذي هو العمود والقوام وأشدّ ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) تمييز ، أي فشا في رأسي الشيب ، واشتعال (١) النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلا فشبّه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كلّ مأخذ باشتعال النار ، ولا ترى كلاما أفصح من هذا ، ألا ترى أنّ أصل الكلام يا ربّ قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض (٢) لهما ، وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد التقرير للتفصيل ، وأقوى منه وهنت عظام بدني ففيه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه ، وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني ، وأقوى منه إني وهنت عظام بدني ، وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل ، وأقوى منه إني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن ، وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فردا فردا باعتبار ترك جمع العظم إلى الإفراد لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كلّ فرد فرد ، ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة ، فحصل اشتعل شيب رأسي ، وأبلغ منه اشتعل رأسي شيبا لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته ، وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا ، والفرق نيّر ولأنّ فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز ، وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيبا لما مر ، وأبلغ منه واشتعل الرأس شيبا ففيه اكتفاء بعلم المخاطب إنه رأس زكريا لقرينة (٣) العطف على وهن العظم مني (٤) (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ) مصدر مضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك (رَبِّ شَقِيًّا) أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيدا به غير شقي فيه ، يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها وشقي إذا خاب ولم ينلها ، وعن بعضهم أنّ محتاجا سأله وقال : أنا الذي أحسنت إليّ وقت كذا ، فقال مرحبا بمن توسّل بنا إلينا (٥) وقضى حاجته.
٥ ـ (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) هم عصبته إخوته وبنو عمه ، وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته ، فطلب عقبا صالحا
__________________
(١) في (ظ) واشتعل ، وفي (ز) واشتعلت.
(٢) في (ظ) المعترض.
(٣) في (ظ) و (ز) بقرينة.
(٤) ليست في (ز).
(٥) زاد في (ظ) و (ز) وقت حاجته.