(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٣)
ولهذا يقال ركبته الديون ولي عليه حقّ ، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها ، يعني أنّ هذه الأجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها ، وهو ما يتأتى (١) من الجمادات ، وأطاعت له الطاعة التي تليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة ، كما قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢) وأخبر أنّ الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون لله : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٣) وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصحّ منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وهذا معنى قوله (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدّينها (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) وخفن من الخيانة فيها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي خان فيها وأبى إلا (٤) أن لا يؤديها (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لكونه تاركا لأداء الأمانة (جَهُولاً) لإخطائه ما يسعده (٥) مع تمكنه منه ، وهو أداؤها ، قال الزّجّاج : الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا ولم يطيعا. ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوما جهولا ، وقيل معنى الآية أنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه إنه كان ظلوما جهولا حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها ، وضمنها ثم خاص بضمانه فيها ، ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب ، وما جاء القرآن إلا على أساليبهم ، من ذلك قولهم : لو قيل للشحم أين تذهب؟ لقال أسوي العوج.
٧٣ ـ واللام في (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) للتعليل لأنّ التعذيب هنا نظير التأديب في قولك ضربته للتأديب فلا تقف على جهولا (وَيَتُوبَ
__________________
(١) في (ز) يأتي.
(٢) فصلت ، ٤١ / ١١.
(٣) البقرة ، ٢ / ٧٤.
(٤) ليس في (ظ) و (ز) إلا.
(٥) في (ظ) للخطأ ، وفي (ز) لإخطائه ما يساعده.