(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (٢٢)
١٨ ـ (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) أي كافرا وهما محمولان على لفظ من ، وقوله (لا يَسْتَوُونَ) على المعنى بدليل قوله :
١٩ ـ (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) هي نوع من الجنان تأوي إليها أرواح الشهداء ، وقيل هي عن يمين العرش (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) عطاء بأعمالهم ، والنّزل عطاء النازل ثم صار عاما.
٢٠ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي ملجؤهم ومنزلهم (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ) أي تقول لهم خزنة النار (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) وهذا دليل على أنّ المراد بالفاسق الكافر إذ التكذيب يقابل الإيمان.
٢١ ـ (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السّنة (١) سبع سنين (دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) أي عذاب الآخرة ، أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة ، وعن الداراني : العذاب الأدنى الخذلان ، والعذاب الأكبر الخلود في النيران. وقيل العذاب الأدنى عذاب القبر (لَعَلَّهُمْ) لعلّ المعذّبين بالعذاب الأدنى (يَرْجِعُونَ) يتوبون عن الكفر.
٢٢ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ) وعظ (بِآياتِ رَبِّهِ) أي بالقرآن (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) أي فتولى عنها ولم يتدبر فيها ، وثم للاستبعاد أي أنّ الإعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل ، كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادا لتركه الانتهاز (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) ولم يقل منه لأنه إذا جعله أظلم كلّ ظالم ، ثم توعّد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دلّ على إصابة الأظلم
__________________
(١) السّنة : الجدب (النهاية ٢ / ٤١٣).