(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧)
١٥ ـ (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) أي وعظوا بها (خَرُّوا سُجَّداً) سجدوا لله تواضعا وخشوعا وشكرا على ما رزقهم من الإسلام (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ونزّهوا الله عما لا يليق به ، وأثنوا عليه حامدين له (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن الإيمان والسجود له.
١٦ ـ (تَتَجافى) ترتفع وتتنحى (جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) عن الفرش ومضاجع النوم. قال سهل : وهب لقوم هبة ، وهو أن أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ، ثم مدحهم عليه فقال تتجافى جنوبهم عن المضاجع (يَدْعُونَ) داعين (رَبَّهُمْ) عابدين له (خَوْفاً وَطَمَعاً) مفعول له ، أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته ، وهم المتهجدون ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم في تفسيرها : (قيام العبد من الليل) (١) وعن ابن عطاء : أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القربة ، يعني صلاة الليل. وعن أنس : كان أناس من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم (٢) ، وقيل هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في طاعة الله تعالى.
١٧ ـ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) ما بمعنى الذي ، أخفي على حكاية النفس (٣) حمزة ويعقوب (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي لا يعلم أحد ما أعدّ لهؤلاء من الكرامة (جَزاءً) مصدر ، أي جوزوا جزاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) عن الحسن رضي الله عنه : أخفى القوم أعمالا في الدنيا فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، وفيه دليل على أنّ المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقا.
ثم بيّن أنّ من كان في نور الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله :
__________________
(١) أحمد من رواية شهر بن حوشب عن معاذ ، وابن أبي شيبة ، والحاكم ، وإسحاق من رواية أبي وائل عن معاذ في أثناء حديث مرفوع قال : (صلاة الرجل في جوف الليل ..).
(٢) ابن مردويه ، وأبو داود عن أنس نحوه.
(٣) أي بإسكان الياء على أنه فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وهو مسند لضمير المتكلم.