إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (٨٦)
(ذِي الْقَرْنَيْنِ) هو الإسكندر الذي ملك الدنيا ، قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان ، وكافران نمرود وبختنصّر وكان بعد نمرود ، وقيل كان عبدا صالحا ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخّر له النور والظلمة ، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه ، وقيل نبيا ، وقيل ملكا من الملائكة ، وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال : ليس بملك ولا نبيّ ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات ، فبعثه الله فسمّي ذا القرنين ، وفيكم مثله (١) أراد نفسه ، قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه ، فيحييه الله تعالى ، وقال عليهالسلام : (سمّي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا) (٢) يعني جانبيها شرقها وغربها ، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان ، أو انقرض في وقته قرنان من الناس ، أو لأنه ملك الروم وفارس ، أو الترك والروم ، أو كان لتاجه قرنان ، أو على رأسه ما يشبه القرنين ، أو كان كريم الطرفين أبا وأما ، وكان من الروم (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ) من ذي القرنين (ذِكْراً).
٨٤ ـ (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) جعلنا له فيها مكانة واعتلاء (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه (سَبَباً) طريقا موصلا إليه.
٨٥ ـ (فَأَتْبَعَ سَبَباً) والسبب ما يتوصّل به إلى المقصود من علم أو قدرة ، فأراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه حتى بلغ ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سببا ، وأراد بلوغ السدين فأتبع سببا. فأتبع (٣) ثم اتبع كوفي وشامي ، الباقون بوصل الألف وتشديد التاء ، عن الأصمعي أتبع لحق ، واتّبع اقتفى وإن لم يلحق.
٨٦ ـ (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي منتهى العمارة نحو المغرب ، وكذا المطلع قال صلىاللهعليهوسلم : (بدء أمره أنه وجد في الكتب أنّ أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد ، فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته ، فظفر ، فشرب ولم يظفر ذو القرنين) (٤) (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت
__________________
(١) أخرجه الطبري عن أبي الطفيل.
(٢) قال ابن حجر ، لم أجده مرفوعا ، رواه الدارقطني في المؤتلف عن الزهري.
(٣) في (ز) فأتبع سببا. والمقصود (ثُمَّ أَتْبَعَ) الآية ٩٢.
(٤) لم أجده.