(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦)
بمرد على معنى لا يردّه هو بعد أن يجيء به ولا ردّ له من جهته (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يتصدّعون أي يتفرّقون. ثم أشار إلى غناه عنهم فقال :
٤٤ ـ (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وبال كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي يسوّون لأنفسهم ما يسوّيه لنفسه الذي يمهّد لنفسه فراشه ويوطّئه لئلا يصيبه في مضجعه ما ينغّض عليه مرقده من نتوء وغيره ، والمعنى أنه يمهّد لهم الجنة بسبب أعمالهم ، فأضيف إليهم ، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلّا على الكافر ، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تجاوزه.
٤٥ ـ (لِيَجْزِيَ) متعلق بيمهدون تعليل له وتكرير (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلّا المؤمن (مِنْ فَضْلِهِ) أي عطائه ، وقوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس.
٤٦ ـ (وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن آيات قدرته (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) هي الجنوب والشمال والصّبا وهي رياح الرحمة ، وأما الدّبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليهالسلام : (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) (١) وقد عدّد الفوائد في إرسالها فقال (مُبَشِّراتٍ) أي أرسلها بالبشارة (٢) بالغيث (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ولإذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه ، والروح الذي مع هبوب الريح ، وزكاء الأرض وغير ذلك ، وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى ، كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) في البحر عند هبوبها (بِأَمْرِهِ) أي بتدبيره أو بتكوينه كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) (٣) الآية (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يريد تجارة البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولتشكروا نعمة الله فيها.
__________________
(١) الشافعي عن ابن عباس مرفوعا نحوه.
(٢) في (ظ) و (ز) للبشارة.
(٣) يس ، ٣٦ / ٨٢.