(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٢)
المأمور أو عن الدين (١) (فِطْرَتَ اللهِ) أي الزموا فطرة دين (٢) الله ، والفطرة الخلقة ، ألا ترى إلى قوله لا تبديل لخلق الله ، فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام ، غير نابين (٣) عنه ولا منكرين له ، لكونه مجاذبا (٤) للعقل مساوقا للنظر الصحيح ، حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر ، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجنّ والإنس ، ومنه قوله عليهالسلام : (كلّ عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري) (٥) وقوله عليهالسلام : (كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه) (٦) وقال الزّجّاج : معناه أنّ الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث أنّ الله عزوجل أخرج من صلب آدم كالذّرّ وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم (٧) ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) إلى قوله : (قالُوا بَلى) (٨) وكلّ مولود هو من تلك الذّرّيّة التي شهدت بأنّ الله تعالى خالقها. فمعنى فطرة الله دين الله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي خلق (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي ما ينبغي أن تبدّل تلك الفطرة أو تغيّر ، وقال الزّجّاج : معناه لا تبديل لدين الله ، ويدلّ عليه ما بعده ، وهو قوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) حقيقة ذلك.
٣١ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) راجعين إليه ، وهو حال من الضمير في الزموا (٩) ، وقوله واتقوه وأقيموا ولا تكونوا معطوف على هذا المضمر ، أو من قوله فأقم وجهك ، لأنّ الأمر له عليهالسلام أمر لأمته ، فكأنه قال فأقيموا وجوهكم منيبين إليه ، أو التقدير كونوا منيبين ، دليله قوله ولا تكونوا (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أدّوها في أوقاتها (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ممن يشرك به غيره في العبادة.
٣٢ ـ (مِنَ الَّذِينَ) بدل من المشركين بإعادة الجارّ (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) جعلوه أديانا
__________________
(١) في (أ) حال عن المأمور وعن الدين ، وفي (ز) حال من المأمور أو من الدين ، والتصويب من (ظ).
(٢) ليس في (ز) دين.
(٣) في (ظ) و (ز) نائين.
(٤) في (ظ) و (ز) مجاوبا.
(٥) مسلم من حديث عياض بن حمار.
(٦) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(٧) البيهقي من حديث عمر بن الخطاب بنحوه وأتم منه.
(٨) الأعراف ، ٧ / ١٧٢.
(٩) أي الزموا فطرة الله أي دين الله واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك.