(بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦)
مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب ، وفرح المشركون وشمتوا ، وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميّون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرنّ نحن عليكم فنزلت ، فقال لهم أبو بكر : والله ليظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين ، فقال له أبيّ بن خلف : كذبت ، فناحبه (١) على عشر قلائص (٢) من كلّ واحد منهما ، وجعل الأجل ثلاث سنين ، فأخبر أبو بكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عليهالسلام : (زد في الخطر وأبعد في الأجل) فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ، ومات أبيّ من جرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر ، فأخذ أبو بكر ، الخطر (٣) من ذرية أبيّ ، فقال عليهالسلام : (تصدق به) (٤) وهذه آية بينة على صحة نبوته ، وأنّ القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب ، وكان ذلك قبل تحريم القمار ، عن قتادة. ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أنّ العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار ، وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي من قبل كلّ شيء ومن بعد كلّ شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون ، كأنه قيل من قبل كونهم غالبين ، وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين ، وهو وقت كونهم غالبين ، يعني أنّ كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله وقضائه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (٥) (وَيَوْمَئِذٍ) ويوم تغلب الروم على فارس ويحلّ ما وعد الله من غلبتهم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).
٥ ـ (بِنَصْرِ اللهِ) وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له ، وغيظ من شمت بهم من كفار مكة ، وقيل نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم ، والباء يتصل بيفرح فيوقف على الله لا على المؤمنين (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أعدائه (الرَّحِيمُ) العاطف على أوليائه.
٦ ـ (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لأنّ قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من الله
__________________
(١) ناحبه : النحب المراهنة (القاموس ١ / ١٣٠).
(٢) قلائص : جمع قلوص وهي الشابة من الإبل خاص بالإناث (القاموس ٢ / ٣١٤).
(٣) الخطر : الرهان (القاموس ٢ / ٢٢).
(٤) الترمذي عن أبي سعيد وابن جرير عن عكرمة.
(٥) آل عمران ، ٣ / ١٤٠).