(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨)
للمؤمنين ، فقوله وعد الله بمنزلة وعد الله المؤمنين وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بنصر الروم على فارس (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.
٧ ـ (يَعْلَمُونَ) بدل من لا يعلمون ، وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا وقوله : (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يفيد أنّ للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهّال من التمتّع بزخارفها ، وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة وبالأعمال الصالحة ، وتنكير الظاهر يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) هم الثانية مبتدأ وغافلون خبره ، والجملة خبر هم الأولى ، وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها.
٨ ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) يحتمل أن يكون ظرفا ، كأنه قيل أولم يثبتوا التفكّر في أنفسهم ، أي في قلوبهم الفارغة من الفكر ، والتفكّر لا يكون إلّا في القلوب ، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين ، كقوله أعتقده في قلبك ، وأن يكون صلة للتفكّر ، نحو تفكّر في الأمر وأجال فيه فكره ، ومعناه على هذا أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبّروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم (١) الدالة على التدبير دون الإهمال ، وأنه لا بدّ لها من انتهاء (٢) إلى وقت تجازى فيه على الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أنّ سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير (٣) ، وأنه لا بدّ لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) متعلق بالقول المحذوف ، معناه أولم يتفكروا فيقولوا هذا القول ، وقيل معناه فيعلموا لأنّ في الكلام دليلا عليه (إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي ما خلقها باطلا وعبثا بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة إنما خلقها مقرونة بالحقّ مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجل مسمى لا بدّ لها من أن تنتهي إليه ، وهو قيام الساعة ووقت
__________________
(١) في (ظ) و (ز) الحكمة.
(٢) في (ظ) و (ز) الانتهاء.
(٣) في (ز) على الحكمة في التدبير.