(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (١٥)
١٣ ـ (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بالمقام معه (وَلا تَحْزَنَ) بفراقه (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبرا ، وقوله ولا تحزن معطوف على تقرّ ، وإنما حلّ لها ما تأخذه من الدينار كلّ يوم كما قال السدي لأنه مال حربي لا أنه أجرة على إرضاع ولدها (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) هو داخل تحت علمها ، أي لتعلم أنّ وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حقّ فيرتابون ، ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت.
١٤ ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل ، وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه (وَاسْتَوى) اعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة ، ويروى أنه لم يبعث نبيّ إلا على رأس أربعين سنة (آتَيْناهُ حُكْماً) نبوّة (وَعِلْماً) فقها ، أو علما بمصالح الدارين (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي كما فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين. قال الزّجّاج : جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤدّيان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين ، والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١) فجعلهم جهّالا إذ لم يعملوا بالعلم.
١٥ ـ (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) أي مصر (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) حال من الفاعل ، أي مختفيا ، وهو ما بين العشاءين ، أو وقت القائلة يعني انتصاف النهار ، وقيل لما شبّ وعقل أخذ يتكلم بالحقّ وينكر عليهم ، فأخافوه ، فلا يدخل المدينة إلا على تغفّل (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل ، قيل هو السامري (٢) (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من مخالفيه من القبط ، وهو فانون ، وقيل فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية ، أي إذا نظر إليهما الناظر قال
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ١٠٢.
(٢) زاد في (ظ) و (ز) وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره.