(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) (١٨)
هذا من شيعته وهذا من عدوه (فَاسْتَغاثَهُ) فاستنصره (الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى) ضربه بجمع كفه ، أو بأطراف أصابعه (فَقَضى عَلَيْهِ) فقتله (قالَ هذا) إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسمّاه ظلما لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمنا فيهم ، فلا يحلّ له قتل الكافر الحربي (١) ، أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل ، وعن ابن جريج : ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة.
١٦ ـ (قالَ رَبِ) يا ربّ (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بفعل صار قتلا (فَاغْفِرْ لِي) زلتي (فَغَفَرَ لَهُ) زلّته (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) بإقالة الزّلل (الرَّحِيمُ) بإزالة الخجل.
١٧ ـ (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) معينا (لِلْمُجْرِمِينَ) للكافرين ، وبما أنعمت علي قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبنّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، أو استعطاف كأنه قال ربّ اعصمني بحقّ ما أنعمت عليّ من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيرا للمجرمين ، وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد.
١٨ ـ (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) على نفسه من قتله القبطيّ أن يؤخذ به (يَتَرَقَّبُ) حال ، أي يتوقع المكروه ، وهو الاستقادة منه ، أو الأخبار ، أو ما يقال فيه ، وقال ابن عطاء : خائفا على نفسه يترقب نصرة ربّه ، وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله بخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوّغ الخوف من دون الله (فَإِذَا الَّذِي) إذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ (اسْتَنْصَرَهُ) أي موسى (بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يستغيثه ، والمعنى أنّ الإسرائيلي الذي خلّصه موسى استغاث به ثانيا من قبطي آخر (قالَ لَهُ مُوسى) أي للإسرائيلي (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي ضال عن الرشد ظاهر الغي ، فقد قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك ، والرشيد في التدبير لا يفعل فعلا (٢) يفضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته.
__________________
(١) في (ز) ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن.
(٢) في (ظ) و (ز) والرشد في التدبير أن لا يفعل فعلا.