(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠)
عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، فعالجوا كسره فأعياهم ، فدنت آسية ، فرأت في جوف التابوت نورا ، فعالجته ، ففتحه ، فإذا بصبي نوره بين عينيه ، فأحبوه ، وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرئت ، فقالت الغواة من قومه : هو الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله ، فهمّ بذلك ، فقالت آسية قرة عين لي ولك ، فقال فرعون : لك ، لا لي. وفي الحديث : (لو قال كما قالت لهداه الله تعالى كما هداها) (١) وهذا على سبيل الفرض ، أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها ، ولأسلم (٢) كما أسلمت ، وقرة خبر مبتدأ محذوف أي هو قرة ، ولي ولك صفتان لقرة (لا تَقْتُلُوهُ) خاطبته خطاب الملوك ، أو خاطبت الغواة (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فإنّ فيه مخايل اليمن ودلائل النفع ، وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أو نتبنّاه ، فإنه أهل لأن يكون ولدا للملوك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حال ، وذو حالها آل فرعون ، وتقدير الكلام فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ، وقالت امرأة فرعون كذا ، وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنّيه ، وقوله إنّ فرعون ، الآية ، جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم ، وما أحسن نظم هذا الكلام عند أصحاب المعاني والبيان.
١٠ ـ (وَأَصْبَحَ) فصار (فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) صفرا من العقل لما دهمها من فرط الجزع لمّا سمعت بوقوعه في يد فرعون (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) لتظهر به ، والضمير لموسى ، والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها. قيل لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول : وا ابناه ، وقيل لما سمعت أنّ فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه يقتله ، فكادت تقول : وا ابناه شفقة عليه ، وإن مخففة من الثقيلة ، أي إنها كادت (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) لو لا ربطنا على قلبها ، والربط على القلب تقويته بإلهام الصبر (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من المصدّقين بوعدنا ، وهو إنا رادوه إليك ، وجواب لو لا محذوف أي لأبدته ، أو فارغا من الهمّ حين سمعت أنّ فرعون تبنّاه ، إن كادت لتبدي بأنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت لو لا أنّا
__________________
(١) أخرجه النسائي من حديث ابن عباس.
(٢) في (ز) وكان أسلم.