فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (٣٠)
(كُلٍّ زَوْجَيْنِ) من كلّ أمتين (١) زوجين ، وهما أمة الذكر وأمة الأنثى ، كالجمال والنوق والحصن والرماك (٢) (اثْنَيْنِ) واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرّمكة ، روي أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض ، من كلّ حفص والمفضل ، أي من كلّ أمة زوجين اثنين ، واثنين تأكيد وزيادة بيان (وَأَهْلَكَ) ونساءك وأولادك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) من الله بإهلاكه وهو ابنه وإحدى زوجتيه ، فجيء بعلى مع سبق الضارّ كما جيء باللام مع سبق النافع في قوله : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) (٣) ونحوها : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٤) (مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) ولا تسألني نجاة الذين كفروا فإني أغرقهم.
٢٨ ـ (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) فإذا تمكنتم عليها راكبين (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم ، ولم يقل فقولوا وإن كان فإذا استويت أنت ومن معك في معنى إذا استويتم ، لأنه نبيّهم وإمامهم ، فكان قوله قولهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة.
٢٩ ـ (وَقُلْ) حين ركبت على السفينة ، أو حين خرجت منها (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً) أي إنزالا ، أو موضع إنزال ، منزلا أبو بكر أي مكانا (مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) والبركة في السفينة النجاة فيها ، وبعد الخروج منها كثرة النسل وتتابع الخيرات.
٣٠ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيم فعل بنوح وقومه (لَآياتٍ) لعبرا ومواعظ (وَإِنْ) هي المخففة من الثقيلة (٥) ، واللام هي الفارقة بين النافية وبينها ، والمعنى وإنّ الشأن والقصة (كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد ، أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويذّكّر كقوله تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٦).
__________________
(١) في (ز) أمتي ، وفي مصحف النسفي (مِنْ كُلٍ) بكسرة.
(٢) الحصن : جمع حصان. والرماك : جمع رمكة وهي الفرس.
(٣) الصافات ، ٣٧ / ١٧١.
(٤) البقرة ، ٢ / ٢٨٦.
(٥) في (ز) المثقلة.
(٦) القمر ، ٥٤ / ١٥.