وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٢٣)
(سَيْناءَ) طور سيناء وطور سينين لا يخلو إما أن يضاف الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسينون ، وإما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه كامرىء القيس ، وهو جبل فلسطين ، وسيناء غير منصرف بكل حال مكسور السين كقراءة الحجازي وأبي عمرو للتعريف والعجمة ، أو مفتوحها كقراءة غيرهم ، لأنّ الألف للتأنيث كصحراء (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) قال الزّجّاج الباء للحال ، أي تنبت ومعها الدهن ، تنبت مكي وأبو عمرو إما لأنّ أنبت بمعنى نبت كقوله حتى إذا أنبت البقل ، أو لأن مفعوله محذوف أي تنبت زيتونها وفيه الدهن (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) أي إدام لهم ، قال مقاتل : جعل الله تعالى في هذه إداما ودهنا فالإدام الزيتون والدهن الزيت ، وقيل هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وخصّ هذه الأنواع الثلاثة لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع.
٢١ ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم (لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ) وبفتح النون شامي ونافع وأبو بكر ، وسقى وأسقى لغتان (مِمَّا فِي بُطُونِها) أي نخرج لكم من بطونها لبنا سائغا (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) سوى الألبان وهي منافع الأصواف والأوبار والأشعار (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي لحومها.
٢٢ ـ (وَعَلَيْها) وعلى الأنعام في البر (وَعَلَى الْفُلْكِ) في البحر (تُحْمَلُونَ) في أسفاركم ، وهذا يشير إلى أنّ المراد بالأنعام الإبل لأنها هي المحمول عليها في العادة فلذا قرنها بالفلك التي هي السفائن ، لأنها سفائن البر ، قال ذو الرّمّة (١) : سفينة برّ تحت خدّي زمامها ، يريد ناقته.
٢٣ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحّدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ) معبود (غَيْرُهُ) بالرفع على المحل ، وبالجر على اللفظ ، والجملة استئناف تجري مجرى التعليل للأمر بالعبادة (أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون عقوبة الله الذي هو
__________________
(١) ذو الرمة : غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي من مضر ، أبو الحارث ، شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره ولد عام ٧٧ ه وتوفي عام ١١٧ ه (الأعلام ٥ / ١٢٤).