(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤)
لأنه سلّ من كلّ تربة (مِنْ طِينٍ) من للبيان كقوله : (مِنَ الْأَوْثانِ) (١).
١٣ ـ (ثُمَّ جَعَلْناهُ) أي نسله ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، لأن آدم عليهالسلام لم يصيّر نطفة ، وهو كقوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٢) وقيل الإنسان بنو آدم والسلالة النطفة ، والعرب تسمي النطفة سلالة ، أي ولقد خلقنا الإنسان من سلالة يعني من نطفة مسلولة من طين ، أي من مخلوق من طين وهو آدم عليهالسلام (نُطْفَةً) ماء قليلا (فِي قَرارٍ) مستقرّ يعني الرّحم (مَكِينٍ) حصين.
١٤ ـ (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ) أي صيّرناها بدلالة تعديه إلى مفعولين ، والخلق يتعدى إلى مفعول واحد (عَلَقَةً) قطعة دم ، والمعنى أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) لحما قدر ما يمضغ (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) فصيّرناها عظاما (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) فأنبتنا عليها اللحم فصار لها كاللباس عظما ، العظم شامي وأبو بكر ، عظما العظام زيد عن يعقوب ، عظاما العظم عن أبي زيد وضع الواحد موضع الجمع لعدم اللبس ، إذ الإنسان ذو عظام كثيرة (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ) الضمير يعود إلى الإنسان ، أو إلى المذكور (خَلْقاً آخَرَ) أي خلقا مباينا للخلق الأول حيث جعله حيوانا وكان جمادا ، وناطقا وسميعا وبصيرا ، وكان بضد هذه الصفات ، ولهذا قلنا إذا غصب بيضة فأفرخت عنده يضمن البيضة ولا يردّ الفرخ لأنه خلق آخر سوى البيضة (فَتَبارَكَ اللهُ) فتعالى أمره في قدرته وعلمه (أَحْسَنُ) بدل أو خبر مبتدأ محذوف وليس بصفة لأنه نكرة وإن أضيف لأنّ المضاف إليه عوض من من (الْخالِقِينَ) المقدرين أي أحسن المقدّرين تقديرا ، ترك ذكر المميز لدلالة الخالقين عليه ، وقيل إنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي عليهالسلام فنطق بذلك قبل إملائه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (اكتب هكذا نزلت) فقال عبد الله إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ ، فارتدّ ولحق بمكة ، ثم أسلم يوم الفتح (٣) ، وقيل هذه الحكاية غير صحيحة لأنّ ارتداده كان بالمدينة وهذه السورة
__________________
(١) الحج ، ٢٢ / ٣٠.
(٢) السجدة ، ٣٢ / ٧ ـ ٨.
(٣) ذكره الثعلبي عن ابن عباس ، وعزاه الواحدي إلى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما.