(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٢)
من الكفر والتكذيب ، وكنّى عنها باليد لأنّ اليد آلة الكسب (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا يأخذ أحدا بغير ذنب ولا بذنب غيره ، وهو عطف على بما أي وبأنّ الله. وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد ، ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منا.
١١ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة ، وهو حال أي مضطربا (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) صحة في جسمه وسعة في معيشته (اطْمَأَنَ) سكن واستقرّ (بِهِ) بالخير الذي أصابه أو بالدين فيعبد (١) الله (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) شرّ وبلاء في جسده وضيق في معيشته (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) جهته ، أي ارتدّ ورجع إلى الكفر كالذي يكون علي طرف من العسكر فإن أحس بظفر وغنيمة قرّ واطمأن وإلا فرّ وطار على وجهه. قالوا نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صحّ بدنه ، ونتجت فرسه مهرا سويا ، وولدت امرأته غلاما سويا ، وكثر ماله وماشيته قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا واطمأن ، وإن كان الأمر بخلافه قال : ما أصبت إلا شرّا وانقلب عن دينه (٢) (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) حال ، وقد مقدّرة دليله قراءة روح (٣) وزيد (٤) خاسر الدنيا والآخرة ، والخسران في الدنيا بالقتل فيها ، وفي الآخرة بالخلود في النار (ذلِكَ) أي خسران الدارين (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) الظاهر الذي لا يخفى على أحد.
١٢ ـ (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الصنم ، فإنه بعد الردة يفعل كذلك (ما لا يَضُرُّهُ) إن لم يعبده (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن عبده (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن الصواب.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) فعبد.
(٢) أخرجه البخاري بنحوه عن ابن عباس.
(٣) روح : روح بن عبد المؤمن ويكنى أبا الحسن الهذلي مولاهم البصري النحوي روى عنه البخاري في صحيحه مات سنة ٢٣٤ ه (غاية النهاية ١ / ٢٨٥).
(٤) زيد : هو زيد بن أحمد بن أبي إسحاق ويكنى أبا علي الحضرمي ، روى القراءة عرضا عن عمه يعقوب بن إسحاق الحضرمي (غاية النهاية ١ / ٢٩٦).
تفسير النسفي ج ٣ / م ١٠