(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤)
تأنيث الأحسن ، وهي السعادة ، أو البشرى بالثواب ، أو التوفيق للطاعة ، فنزلت جوابا لقول ابن الزّبعرى (١) عند تلاوته عليهالسلام على صناديد قريش (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى قوله (خالِدُونَ) : أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة (٢) ، على أن قوله وما تعبدون لا يتناولهم لأن ما لمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد في البيان (أُولئِكَ) يعني عزيرا والمسيح والملائكة (عَنْها) عن جهنم (مُبْعَدُونَ) لأنهم لم يرضوا بعبادتهم ، وقيل المراد بقوله إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى جميع المؤمنين ، لما روي أن عليّا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف (٣) : وقال الجنيد رحمهالله : سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية.
١٠٢ ـ (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) صوتها الذي يحس وحركة تلهّبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ) من النعيم (خالِدُونَ) مقيمون ، والشهوة طلب النفس اللّذة.
١٠٣ ـ (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) النفخة الأخيرة (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربّكم في الدنيا.
١٠٤ ـ العامل في (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) لا يحزنهم أو تتلقاهم. تطوى السماء يزيد ، وطيّها تكوير نجومها ومحو رسومها ، أو هو ضدّ النشر نجمعها ونطويها (كَطَيِ
__________________
(١) ابن الزّبعرى : هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي ، أبو سعد شاعر قريش ، كان شديدا على المسلمين إلى أن فتحت مكة ، فهرب إلى نجران فقال فيه حسان أبياتا فلما بلغته عاد إلى مكة فأسلم واعتذر ومدح النبي صلىاللهعليهوسلم مات عام ١٥ ه (الأعلام ٤ / ٨٧).
(٢) من حديث عن ابن عباس أخرجه الحاكم ، والطبراني وابن مردويه والواحدي ، وبنو مليح حي من خزاعة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والثعلبي من رواية ليث بن أبي سليم عن ابن عم النعمان ابن بشير وكان من سمّار علي ، وليث ضعيف.