جميع جهاته ، وفيه تنبيه على كثرة خلقه وعظم ملكوته ، وذلك أن عرشه أعظم المخلوقات ، ومع ذلك خلق ملائكة يحفّون بهذا الحرم العظيم المتزايد في العظمة. وأصل ذلك من حفّ القوم بالمكان : أي صاروا في حفّته ، والأحفّة : الجوانب ، الواحد حفاف. وحفاف الجبل : جانباه. وفي الحديث : «أظلّ الله مكان البيت بغمامة فكانت حفاف البيت» (١) فالمعنى : ترى الملائكة مطبقين بحفافيه. قال الشاعر (٢) : [من الطويل]
له لحظات في حفافي سريره
وفي الحديث : «تحفّه الملائكة بأجنحتها» (٣).
وفلان في حفف من العيش : أي ضيق ، تصوّر أنّه حصل في جانب منه لا في وسطه ، عكس قولهم : هو في واسطة العيش. ومنه قوله : «من حفّنا أو رفّنا فليقتصد» (٤) أي من يحفف علينا ، كذا فسّره الراغب (٥) ، وفسّره الهرويّ : من مدحنا فلا يغلونّ (٦) ، قال : والحفّة : الكرامة التامّة. وحفيف الجناح والشّجر : صوتهما ؛ فهي حكاية صوته (٧). والحفّ : آلة النسّاج (٨) ؛ سميت بذلك لما يسمع من حفيفها عند حركتها.
قوله : (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ)(٩) أي أطفناهما بنخل فجعلناه مطيفا بهما ، وأحسن الجنان منظرا ما كان كذلك. وفي الحديث : «حفّوا الشوارب وأعفوا اللّحى» (١٠) هو من قولهم : حفّت المرأة وجهها أي قشرته من الشعر (١١). «وكان عمر أصلع له حفاف» (١٢) أي
__________________
(١) النهاية : ١ / ٤٠٨.
(٢) شاهد ذكره الراغب : ١٢٣.
(٣) النهاية : ١ / ٤٠٨ ، وفيه : «حفّتهم الملائكة».
(٤) النهاية : ١ / ٤٠٨.
(٥) كلام الراغب (ص ١٢٣): «أي من تفقّد حفف عيشنا».
(٦) وذكره ابن الأثير.
(٧) وفي الأصل : صوت.
(٨) وفي الأصل : للسلاح. والتصويب من المفردات : ١٢٣ ، وفي اللسان : آلة الحائك.
(٩) ٣٢ / الكهف : ١٨.
(١٠) ابن حنبل : ٢ / ٥٢ ، وفيه : «أعفوا اللحى وحفّوا الشوارب».
(١١) يقول ابن منظور : «تزيل عنه الشعر بالموسى وتقشره» (مادة ـ حفف).
(١٢) النهاية : ١ / ٤٠٨.