احتاج النحاة أن أجابوا عن قول امرىء القيس : [من الطويل]
بين الدّخول فحومل (١)
قالوا : كان من حقّه أن يعطف بالواو لأنّها لمطلق الجمع (٢) ، وأجابوا بأنّ تقديره بين مواضع الدّخول ، أو بأنه لمّا (كان الدّخول اسما يحوي) (٣) أماكن كثيرة نحو : دارنا بين مصر ، وقوله : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما)(٤) قال الراغب (٥) : يجوز أن يكون مصدرا أي موضع المفترق ، قال : ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرّر كقوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ)(٦). قلت : ليس هذا مطابقا لما ذكره لأنّ لفظه بأفصح إضافة بين إليها من غير تكرير ، نحو : المال بيننا.
وقوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)(٧) قرىء بالنصب على الظرف ، فقيل : هو صلة لموصوله محذوف أي : تقطّع (٨) الذي بينكم ، وقيل : الفاعل مقدّر أي تقطع الوصل والألف بينكم ، وقيل : هو مبنيّ لإضافته إلى غير متمكّن ، وبالرفع على الفاعلية أي تقطّع وصلكم. والبين من الأضداد. قال الراغب : أي وصلكم. وتحقيقه أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها ، إشارة إلى قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا
__________________
(١) من مطلع مقدمة معلقة امرىء القيس (الديوان : ٢٩) وتمام البيت :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل |
(٢) ولهذا كان الأصمعي يرويه «بين الدّخول وحومل» ، وكان يقول : لا يقال : المال بين زيد فعمرو ، وإنما يقال : المال بين زيد وعمرو. هذا رأي الخطيب التبريزي في (شرح القصائد العشر : ٢٢). أما ابن النحّاس (شرح القصائد التسع : ١ / ١٠٠) فإنه يقول : الدخول ، موضع يشتمل على مواضع ، فلو قلت : عبد الله بين الدخول ـ تريد بين مواضع الدخول ـ لتمّ الكلام ، ثم عطف بالفاء وأراد بين مواضع الدخول وبين مواضع حومل. والسمين اطلع على كلام ابن النحاس وأورد كثيرا من كلامه.
(٣) وفي س : كانت الدخول اسما وتحوي. وكذا كانت في ح ، لكن الناسخ فيها صوبها بالهامش.
(٤) ٦١ / الكهف : ١٨.
(٥) المفردات : ٦٨.
(٦) ٥ / فصلت : ٤١.
(٧) ٩٤ / الأنعام : ٦. انظر الغريبين : ١ / ٢٣٤.
(٨) في الأصل : لقطع ، ولعل الصواب ما ذكرنا.