تفسير الآية (١٥)
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) استيناف في غاية الجزالة والفخامة حيث إنّهم بالغوا في استهزائهم أشنع مبالغة وأعظمها على وجه يحرّك السامع أن يقول : هؤلاء الذين هذا شأنهم ما مصير أمرهم وعاقبة حالهم وكيف صنع الله تعالى بهم في مجازاتهم؟ فصدّره باسمه المقدّم الجامع تنبيها على أنّه سبحانه هو الّذي يستهزأ بهم الاستهزاء الأبلغ الّذي لا اعتداد معه باستهزائهم ، وذلك لصدوره عمّن تضمحلّ قدرتهم وعلمهم في جنب علمه وقدرته ، وإيذانا بأنّه سبحانه يكفي مؤنة عباده المؤمنين وينتقم لهم من أعدائهم في الدين ، ولا يحوجهم الى معارضة المنافقين كيلا يفتروا بمكائدتهم عن عبادته.
معنى الاستهزاء بالنسبة الى الله سبحانه
وآثر الفعلية على الاسميّة وإن كان فيها المطابقة تنبيها على أنّ استهزاءه تعالى إنّما يحدث حالا فحالا ، ويتجدّد وقتا وقت بعد وقت كما جرت به سنّته في سائر عقوباته في الدنيا كما قال : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (١) ، وفي الآخرة أيضا كما قال سبحانه : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٢).
__________________
(١) التوبة : ١٢٦.
(٢) النساء : ٥٦.