ذلك سببا منفّرا لهم عنه ، او إلى المكلّف ، فانّه إذا علم أنّه متى آمن أحبّته الملائكة واستغفروا له وانتشر له الذكر الجميل عندهم وصار ذلك باعثا قويّا له في الميل إلى الطّاعات كما انّه إذا علم أنّه مع كفره يتنفّر منه الملائكة ويبغضونه ويتبرّءون منه ويلعنونه صار ذلك زاجرا له عن الكفر ، وهذا الوجه هو المستفاد من كلام الامام عليهالسلام حيث قال في تفسير الآية بعد ذكرها : أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظر إليها بأنّهم الّذين لا يؤمنون ، وعلى سمعهم ، كذلك بسمات وعلى أبصارهم غشاوة وذلك أنّهم لمّا أعرضوا عن النّظر فيما كلّفوه وقصّروا فيما أريد منهم جهلوا ما لزمهم الايمان به فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه ، فإنّ الله عزوجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه ، فلا يأمرهم بمغالبة ولا بالمسير إلى ما قد صدّهم بالعجز منه (١).
أقول : وفيه إبطال لمذهب الأشاعرة القائلين بالجبر ، حيث ذهبوا إلى أنّ الختم حتم من الله سبحانه بالنسبة إلى الكفّار ، وانّه لا صنع للعبد فيه أصلا لا إيجادا ولا إبقاء ولا إزالة ، واستراحوا عن الوجوه الّتي ذكرها العدليّة في الآية بحملها على كون الفعل منه سبحانه من دون ان يكون للعبد فيه صنع واختيارا أصلا.
وقد قرّر في الأصول بل علم من ضرورة مذهب آل الرسول أنّ القول به مخالف لما هو المتواتر القطعي من المنقول كما انّه مخالف لضرورة العقول.
ثمّ اعلم أنّ هذا الختم المضروب على قلوبهم وسمعهم والحجاب المضروب على أبصارهم ليس من الأمور الاعتباريّة الغير المتأصّلة بل إنّما هي من الأمور الحقيقة المتقرّرة في الملكوت السّفلى ولذا ينكشف على ما هو عليه لمن أراه الله تعالى ملكوت الأشياء وإن كان مستورا على المنغمسين في الغواسق الظّلمانيّة كما
__________________
(١) تفسير المنسوب الى الامام العسكري عليهالسلام ص ٣٣ ـ ٣٦ وعنه البحار ج ٩ ص ١٧٤.