والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة ، وذلك قوله عزوجل يحكي قول ابراهيم على نبيّنا وآله وعليهالسلام : (كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) (١) يعني تبرّأنا منكم.
وقال يذكر إبليس وتبرّيه من أوليائه الإنس يوم القيامة : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (٢).
وقال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٣) ، يعني تبرّأ بعض من بعض (٤).
ثم إنّ الكفر بالضم ويفتح أيضا يقابل به الايمان والشكر ، وهو في الأصل : التغطية ، والستر ، والجحود ، قال لبيد : «في ليلة كفر النجوم غمامها» أي سترها ، والكافر : الليل المظلم ، لأنّه ستر بظلمته كلّ شيء ، ويقال للزارع ، لأنّه يغطّي البذر بالتراب.
ومنه قوله تعالى : (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) (٥).
وسمّى الكافر كافرا ، لأنّه يستر نعم الله عليه ، أو يستر ما يجب الإقرار به.
والمراد به شرعا من خرج عن الإسلام باديا أو طاريا بالارتداد قولا أو فعلا ، حقيقة أو حكما ولو تبعا ، كالذراري ، والمجانين ، ولقيط دار الحرب ، بلا فرق بين أن لا يكون منتحلا للإسلام أصلا ، أو انتحله ولكن جحد ما يعلم من الدين
__________________
(١) الممتحنة : ٤.
(٢) ابراهيم : ٢٢.
(٣) العنكبوت : ٢٥.
(٤) اصول الكافي ج ٢ ص ٣٨٩ ـ ٣٩١.
(٥) الحديد : ٢٠.