الملك يأتيه بالخصوص الآيات الفرقانية باعتبار الاقتضاءات الخاصّة التي تقضي نزولها عليه ، وأين هذا من القول بسبق صدوره وتقدّم خلقه في عالم الأنوار وتطور تلك الأطوار عليه؟.
قلت : حدوث نزوله في هذا العالم بحسب الاقتضاءات الخاصة مما لا شبهة فيه وهو لا ينافي نزوله جملة واحدة في ليلة القدر في السماء الرابعة أو نزوله على طور الأطوار على قلب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو على لسان الملك أو على القلم أو على غيرها من الخلق مما يفيد تقدّما دهريا على غيره من الماديّات كما أنّ وجود خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما حدث في هذا العالم بعد كافّة الأنبياء مع أنّه يستفاد من قوله عليهالسلام كنت نبيا وآدم بين الماء والطين (١) تقدّم خلقه ، بل نبّوته على خلق آدم عليهالسلام فضلا عن غيره ، بل يستفاد من أخبار كثيره متواترة أنّه الخلق الأول وأنّ أول ما خلق الله روحه ونوره الشريف وأنّه أوّل من نطق بالتسبيح والتهليل والتكبير لله رب العالمين ، وأنّ كلّ من عبد الله فإنما كان بتعليمه وتعليم علي عليهالسلام حتى الأنبياء والملئكة ، إلى غير ذلك مما يدلّ على تقدّم خلق أنوارهم وأرواحهم في عالم آخر غير هذا العالم.
__________________
(١) لم اظفر بسنده ومدركه إلّا أنّه مشهور كما أنّ غواص بحار الأحاديث المجلسي (قدسسره) قال في بحار الأنوار تذنيب ذكره للبحث عن كيفية تعبّد النبيّ (ص) قبل بعثه وهل كان متعبدا بشريعة من كان قبله أولا : إنّ الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة والآثار المستفيضة هو أنّه (ص) كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا مؤيّدا بروح القدس ، يكلّمه الملك ، ويسمع الصوت ، ويرى في المنام ثم بعد أربعين سنة صار رسولا ، وكلمه الملك معانية ، ونزل عليه القرآن (إلى ان قال :) ويؤيد ذلك الخبر المشهور عندهم : «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» أو «بين الروح والجسد».