قلت : أمّا ما أورده الأشاعرة فهو في محلّه إلّا ما أفاده من جهة الحصر إذ قد يفسّر أيضا بالقدرة ، وبالألفاظ النفسية وغيرها مما هو معقول مطلقا أو في حق غيره.
وأمّا ما أورده على المعتزلة فمع الغضّ عمّا في عبارته من المسامحة إذ الأولى التعبير بالأصوات المخلوقة فإنّها الكلام لا خلق الأصوات فإنّه التكلّم.
ففيه أنّ الطعن غير وارد عليهم لأن أفعال الخلق عندهم منسوبة إليهم ، بخلاف الأشاعرة الذين يرون أفعال العباد مخلوقة له تعالى من غير صنع للعبد ، وأغرب منه القول بعدم إفادة التقييد بأحد الوجهين معلّلا بأن الكلّ من عنده ، ومن البيّن وضوح الفرق لغة وعرفا وشرعا بين الكلام الذي يتكلّم زيد باختياره ورضاه وإرادته وبين ما خلقه الله تعالى في شجرة موسى أو في الهواء أو في الجبال ، أو في غيرها من الجمادات ، فإنّ الأوّل منسوب إلى زيد والثاني إلى الله سبحانه وإن كان الكلّ منه سبحانه على وجه ، وبالجملة لا ريب من إطلاق الكلام على ما ذكره المعتزلة من الأصوات والألفاظ المخلوقة المسموعة كما في قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (١) ، (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) (٢) ، وقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (٣) ، على التقريب المتقدم وقوله : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) (٤) ، وإن كانت
__________________
(١) التوبة : ٦.
(٢) البقرة : ٧٥.
(٣) النساء : ١٦٣.
(٤) الأعراف : ١٤٣.