وعدمها بعد احتمال كون الأمر الحاصل هو المشاهدة الحضورية حسب ما تسمع ، سلّمنا لكنّ المراد بالمطابقة حينئذ إنّما هي مطابقة الإدراك للمدرك لا الصّورة لديها.
وأمّا الثّاني فلأنّ لتلك الكيفيّات مدخلا تامّا في كلا الأمرين كما لا يخفى.
ثانيهما : ما ذهب إليه صدر المحققين ناسبا له إلى إلهام الله سبحانه وهو أنّ هذه الصورة المقداريّة لنا إنّما هي موجودة بإيجاد النّفس لها لا لقبول النّفس إيّاها وليست هي قائمة بالنّفس قيام الأعراض والصّور لموضوعاتها ، وموادّها بل قيام الأشياء الموجودة بمقيمها وفاعلها ، وذلك سرّ إلهي في النّفس حيث أبدعها الله تعالى مثالا له تعالى ذاتا وصفة وأفعالا. فللنّفس عالم جسماني مخصوص موجود في صقع من ذاتها وليست النفس داخلة في عالمها ولا خارجة عنه ولها معيّة بكلّ جزء من أجزاء عالمها أين ما كان ويكون وحيثما كان ويكون شبه المعيّة القيّوميّة الواجبة بكلّ ذرّة من ذرّات السماوات والأرضين من جهة أنّها ليست كمعيّة جسم بجسم ولا جوهر بجوهر ولا حال بحال ولا عكسه ولا معيّة حالّين بمحلّ واحد ، ولا شيء من سائر المعيّات بل معيّة قيوميّة وجوديّة يعجز عن دركها أكثر الأنام بل لا يدركها إلّا الفاضل الأوحديّ التامّ.
وقال في عرشيته (١) : إنّ الصور المقداريّة والأشكال وهيئاتها كما تحصل من الفاعل لأجل استعداد الموادّ ومشاركة القوابل فهي قد تحصل أيضا بالإبداع بمجرّد تصوّرات المبادي وجهات الفاعليّة من غير مشاركة قابل ووصفه واستعداده ، ومن هذا القبيل وجود الأفلاك والكواكب من تصوّرات المبادئ والجهات الفاعليّة ، وعلمه
__________________
(١) العرشية أو الحكمة العرشية كتاب حكمي في معرفة المبدأ والمعاد محتو على مشرقين ، الأوّل في العلم بالله وصفاته وأسمائه وآياته ، والثاني في علم المعاد.