والأوّل باطل إذ كثيرا ما نتصوّر أمورا لا وجود لها في العين مع أنّ الشيء الواحد لا يكون موجودا في موضعين : خارج النّفس وداخلها.
فتعيّن أن يكون الموجود في النفس صورة مطابقة للموجود في الخارج وهو المطلوب.
وبأنّ حسن الإدراك والحفظ وضدّهما تابعان للكيفيّات الأربعة الموجبة لسهولة التشكّل وعدمها ولذا قال الأنطاكي (١) في نزهته (٢) : العلم حصول صورة المعلوم انتقاشا في قوى العقل والنفس المعبّر عنها بالذهن فهي كالمرآة والانتقاش فيها كانطباع المرئيّات في تلك ، فعليه قد يسهل النقش وزواله إذ أفرطت عليه الرطوبة أو يسهل الأوّل دون الثّاني إذا أفرطت الحرارة والعكس ، فالمراتب أربعة ضرورة وهذه القاعدة أصل يتفرّع عليها الحفظ والنسيان وما يغلب على الدماغ من الأخلاط وعلاج ذلك.
أقول : والوجهان ضعيفان.
أمّا الأوّل فلأنّ المراد بالأثر الحادث إن كان هو خصوص الصورة فنحن نمنع من حدوثها والضّرورة الوجدانيّة غير قاضية بإثباته كيف وهو أوّل الكلام وإن كان المراد منه الأعمّ من انطباع الصورة ومن مشاهدة ذي الصورة فدعوى الضّرورة ، حينئذ وإن كانت في محلّها إلّا أنّه لا ينبغي التكلّم حينئذ في المطابقة
__________________
(١) الأنطاكي هو داود بن عمر الطبيب نزيل القاهرة : صنف كتبا كثيرة في الطلب وتوفي سنة ١٠٠٨ ق.
(٢) نزهة الأذهان في طب الأبدان للأنطاكي وهو مختصرة على مقدمة وسبعة فصول وخاتمة جمع فيها الأهم من قواعد الطب.