قال في (شرح الإبانة) : أوجبنا فيه بقرة ؛ لأنه أشبه بها ، ولأن البقرة الوحشية خير من حمار الوحش ، وفيها بقرة ، فلم نوجب في الأدنى خيرا مما في الأعلى.
الوجه الرابع : ذكره جار الله (١) : أن التخيير إنما يستقيم استقامة ظاهرة إذا قوّم ، ثم خير في القيمة بين الهدي ، والكفارة ، والصيام ، فأما إذا كان التخيير بين المثل في الخلقة وبين غيره كان التقدير فجزاء مثل ما قتل ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما ، فكأنه خير بين المثل ، وبين غير المثل ، وعلى التفسير بأن مثل القيمة لا تخيير فيه ، ولكن التخيير فيما يفعل بالمثل ، هل يكون هديا بالغ الكعبة ، أو غيره من الصدقة والصيام؟
أما قوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) فهو يحتمل هل أراد ما يعدل القيمة ، أو ما يعدل المثل في الخلقة.
وأما قراءة الإضافة وهي قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ) فاللفظ يقضي أن الجزاء لمثل الصيد لا له (٢) ، فالحنفية يقولون : إن الجزاء لمثل الغزال مثلا ، وذلك قيمة غزال آخر لو كان حيا ؛ (لأن الميت لا يقوم) (٣) ولا يلزمهم أن يكون الجزاء للمثل الذي هو القيمة ؛ لأن القيمة لا جزاء لها ، وإن قلنا : الجزاء لمثل الغزال المقتولة والمماثلة لها.
__________________
(١) لفظ الكشاف أوضح مما أورده المصنف بالمعنى عن الكشاف ، ولفظ الكشاف : على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزي بالهدى أو يكفر بالإطعام أو بالصوم ، إنما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسف إذا قوّم ونظر بعد التقويم أيّ الثلاثة يختار ، فأما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير ـ فإذا كان شيئا لا نظير له قوّم حينئذ ، ثم يخير بين الإطعام والصوم ـ ففيه نبوّ عما في الآية. ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) كيف خير بين الأشياء الثلاثة ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم
(٢) يقال : هذا ينافي ما سبق له في توجيه قراءة نافع وغيره ، فعلى ما سبق لا وجه لهذا.
(٣) ما بين القوسين محذوف من بعض النسخ ، لأنه قد أغنى عنه قوله لو كان حيا.