قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الثمرات اليانعة [ ج ٢ ]

تفسير الثمرات اليانعة [ ج ٢ ]

173/543
*

وروي أنها كانت عاقرا لم تلد إلى أن عجزت ، فبينما هي بظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا له ، فتحرك قلبها للولد وتمنته ، فنذرت كما ذكر ، وسمتها مريم ؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة ، فأرادت أن يكون فعلها مطابقا لاسمها

وفي هذه الآية دلالة على جواز تمني الولد ، وعلى حسن اختيار الاسم بما يحسن معه المعنى ، وحسن التفاؤل في الأمور.

وقولها : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران : ٣٦] دلالة على حسن تعويذ الأولاد ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوذ الحسنين عليهما‌السلام ، فيقول : (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة) حتى نزلت المعوذتان. فكان يعوذهما بهما.

قال الزمخشري : وما يروى من الحديث (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها) فإن صح الحديث فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها ، فإنهما كانا معصومين ، وكذلك كل من كان في صفتهما ، لقوله : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ـ ٤٠] واستهلاله صارخا من مسه على سبيل التخييل ، لا أنه أراد حقيقة المس ، والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلّا ، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا مما يبلو به من نخسه ، ونحو هذا من التخييل ، قول ابن الرومي :

لما تؤذن الدنيا به من صروفها

يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وإنها

لأفسح مما كان فيه وأرغد

إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه

بما سوف يلقى من أذاها يهدّد