فجاءه موسى ، وهو مغضب ، ووكز القبطي وكزة كانت القاضية ، وواراه التراب ولم يعلم بذلك أحد إلا الرجل العبراني الذي نصره موسى.
ولما سكنت نفس موسى وهدأ غضبه ، ندم على ما فعل ، وقال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ، إذ كان الأولى أن تكون النصرة بغير الضرب المفضى إلى الموت ، وقال موسى : رب إنى ظلمت نفسي بهذا العمل فإن فيه قسوة وشدة ، وإن كان عمل المصريين يخرج المرء عن صوابه ، يا رب إنى ظلمت نفسي ، فأنا أتوب إليك ، وأندم على فعلى هذا فاغفر لي مغفرة من عندك ، فتقبل الله منه توبته النصوح ، وغفر له ، إنه هو الغفور الرحيم قال : رب بما أنعمت على من فيض نعمك التي لا تحصى ، وبسبب هذا فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، يا رب فلا تجعلني معينا وناصرا لأهل الشر أبدا.
ولما كان اليوم الثاني وموسى يخاف افتضاح فعلته التي فعلها ، وينتظر ماذا يكون من أمره؟ ، إذ بالإسرائيلى يتقاتل مع قبطى آخر ، فاستغاثه الإسرائيلى ـ وهو من شيعته ـ على الفرعوني ـ الذي هو عدوه ـ ولكن موسى ندم على فعلته السابقة وكره مثل هذا الفعل فمد يده ، وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، وفي الوقت ذاته قال للإسرائيلى (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) وهو مغضب ثائر ، فظن العبراني أن موسى أراده بسوء فقال : أتريد يا موسى أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس؟!.
وقيل إن الذي قال هذا هو القبطي يلوم موسى ويقول أيضا ما تريد يا موسى إلا أن تكون جبارا شديد البطش كثير الإيذاء في الأرض ، وما تريد أن تكون من المصلحين الذين يفضون النزاع بين الناس ، ولما كان أحد الخصوم ذوى قربى شاع خبر قتل موسى للمصرى أى القبطي ـ أو الفرعوني ـ تلك ألقاب ثلاثة لسكان مصر في ذلك الوقت ـ حتى بلغ فرعون وجنده فطلبوا موسى لقتله كما قتل ... في ذلك الوقت جاء رجل مؤمن من أقصى المدينة يسعى ليخبر موسى بما أراده القوم من سوء له. وقال : يا موسى : إن الملأ قد بيتوا العزم وصمموا على قتلك ، فاخرج من تلك الديار ، إنى لك من الناصحين.
فخرج موسى من مصر خائفا يترقب ، وفي وسط هذه المحنة الشديدة ، قال : رب نجنى من القوم الظالمين ، وقد نجاه الله ووصل إلى مدين (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [سورة طه آية ٤٠].