(أ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب يوم القيامة من هو أضل سبيلا؟ من هو أقوم طريقا؟ أمحمد وصحبه أم كفار مكة ومن على شاكلتهم؟.
(ب) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) والمعنى. تعجب يا محمد من جهل هؤلاء الذين اتخذوا آلهتهم هواهم ، فهم لم يتخذوا لأنفسهم آلهة إلا هواهم ، وانظر إلى قول سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه ، واتخذ الآخر وعبده. وهذا يدل على أنه لم يكن لهم حجة في عبادة الأصنام إلا اتباع الهوى وتقليد الآباء! أما الحجة والنظر السليم فهم بعيدون عنها كل البعد.
وقيل المعنى : إن هؤلاء كانوا عبيدا لهواهم. وكان هو الحكم في كل شيء بلا عقل ولا عقيدة ولا نظر ...
(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) ولست عليه بمسيطر ولن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ، ما عليك إلا البلاغ فقط.
(جـ) وهذا هو الرد الثالث عليهم (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) وأم بمعنى بل ، وهي تفيد الإضراب عما مضى كأن هذا هو الرد فقط ، نعم لا تظن أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون وقد نفى عن أكثرهم السماع والعقل ـ وهذا حكم عدل إذ كل مجموعة فيها الحسن والقبيح ـ ونفى السماع والعقل هنا يدلنا على أن المراد بهما السماع والعقل الروحيان الذي يكون القلب موضعهما (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فليس المراد السماع والعقل الحسى فالكفار يسمعون بلا شك ويعقلون بلا شك ، وإنما الروح التي هي من الله ، والتي هي القوة الدافعة إلى الخير والمحاربة للنفس المادية والشيطان ، تلك الروح لها حواس موضعها القلب ، ومن أضله الله وأعمى بصره القلبي وسمعه وعقله وختم عليهما ، لا يكون له سمع يسمع الحق ويهتدى به. ولا يكون له بصر يبصر الطريق المستقيم ويسير عليه ، وهذا بلا شك لا يعقل ولا ينظر ولا يتذكر (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
ما هؤلاء الكفار إلا كالأنعام في أن لهم سمعا وبصرا حسيين ، وليس لهم إدراك وإحساس روحي ، بل هم أضل ، لأن البهائم لم تكلف ولم تعص خالقها ، وأما هؤلاء فقوم عندهم الاستعداد لإدراك الخير ، والقوة لمعرفة الحق ، ولكنهم قوم ضلوا وأضلوا ، ولهم النار وبئس القرار ...