النفس أمّارة بالسوء
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
هذا أول الجزء بناء على التقسيم اللفظي العددى ، وفي الواقع هذه الآية متصلة بما قبلها إذ هي من كلام امرأة العزيز على معنى : ذاك الإقرار بالحق ليعلم يوسف أنى لم أخنه بالغيب وهو سجين فلم أنل من أمانته أو أطعن في شرفه أو ليعلم زوجي أنى لم أخنه بالغيب في خلوتي بيوسف وأنى لم يحصل منى إلا المراودة فأبى واستعصم ، ولئن برأت يوسف فما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.
هذا هو الظاهر من نظم الكلام والسياق ، وبعضهم يقول : وما أبرئ نفسي حكاية لكلام يوسف على معنى : ذلك الذي كان منى ليعلم العزيز أنى لم أخنه في زوجه بالغيب ، وأن يوسف لا يبرئ نفسه وهذا تواضع منه ، والقائلون بهذا القول ممن يثبتون ليوسف هما ، وقد مضى الكلام في مسألة الهم.
وما أبرئ نفسي ، وكأن سائلا سأل وقال : لم؟ أجيب إن النفس لأمارة بالسوء ؛ هذا بطبعها فالنفس أرضية ظلمانية لا تدعو إلى الخير ، ولا تأمر إلا بسوء ، فالحسد والحقد والعجب والكبر والبطر وحب الأذى ، وحب المال وكراهية الموت ، وقول السوء والغيبة والنميمة وغير ذلك من دواعي الفساد ، كل ذلك من عمل النفس ومن دأبها (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص ٧١ و ٧٢].
ولكن لا نيأس من روح الله ولا نقنط من مغفرته ورحمته إن تبنا وأنبنا إن ربي غفور ستار رحيم كريم يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ...