إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) (١). (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (٢). (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (٣) تدل على أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون لها عند الاحتضار ، وحين يعرضون على النار ، وقت العرض على الجبار.
ولذلك جاء الرد : كلا! وهي كلمة ردع لمن طلب شيئا بلا حق ، إنها كلمة هو قائلها نعم هو حكم قد حكم به الحكيم الخبير ، ولا راد لحكمه ، ولا معقب على قضائه وكيف يكون غير هذا؟!! ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، فقول الظالم : (رَبِّ ارْجِعُونِ) كلمة هو قائلها ، ولا عمل معها البتة ، وحتى التي في أول الآية غاية لما قبلها ، والمعنى : هم مصرون على ما وصفناهم به سابقا حتى إذا جاء أحدهم الموت وتيقن ضلالته وعذابه وشاهد الملائكة تقبض روحه بوجه عابس فطلب ما طلب ، وأمامهم بعد هذا برزخ وحاجز بين الدنيا والآخرة يستحيل عليهم أن يتخطوه ، فهم في حياة بين الدنيا والآخرة وهي حياة القبور ، وستظل كذلك فيها العذاب إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى ، وهلك جميع الخلق حتى الملك الذي نفخ في الصورة ، نفخ في الصور مرة أخرى فإذا الناس جميعا قيام ينظرون ماذا يحل بهم؟ فلا أنساب بينهم يومئذ ، ولا يتساءلون ولا يسأل حميم حميما ، كل امرئ عن أخيه مشغول (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [سورة الحج آية ٢].
فمن ثقلت موازينه ، ومن رجحت حسناته على سيئاته ، ولو بالقليل فأولئك هم المفلحون الفائزون ، الذين زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة بسلام ، ومن خفت موازينه أى : ثقلت سيئاته على حسناته فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم ، وخابوا وهلكوا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا النعيم المقيم بالزخرف الفاني ، والحياة الفانية ، وهم في جهنم خالدون ، وماكثون مقيمون ، تلفح وجوههم النار وتغشاها وقد كانوا يصعرون خدودهم ، ويشمخون بأنوفهم في الدنيا كبرا وعجبا (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) (٤) ، وهم فيها كالحون ، وعابسون
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ٢٧.
(٢) سورة غافر الآية ١١.
(٣) سورة فاطر الآية ٣٧.
(٤) سورة الأنبياء الآية ٣٩.