مَكِينٍ) المراد الرحم (طَرائِقَ) جمع طريقة والمراد السموات السبع ، سميت بذلك لأن بعضها فوق بعض (بِقَدَرٍ) بمقدار معلوم عندنا (طُورِ سَيْناءَ) طور سيناء ، (وَصِبْغٍ) كل إدام يؤتدم به فهو صبغ ، وأصل الصبغ ما يصبغ به الثوب أى يلون ، وشبه الإدام به لأن الخبز يلون به إذا غمس فيه.
لقد أمر الحق ـ تبارك وتعالى ـ بالإيمان وبالاتصاف بشعبه المهمة التي تكون المؤمن الصالح ببيان صفات المؤمنين التي هي سبب في فلاحهم وفوزهم. وذلك في الآيات السابقة. وهذا لا يتم إلا بعد معرفة الإله معرفة حقيقة والإيمان به والاستدلال على ذاته الكريمة وصفاته الجليلة كالقدرة والوجدانية ، والعلم والحكمة وغيرها. ولذا ترى القرآن الكريم أخذ يسوق الأدلة على ذلك في خلق الإنسان ، وفي تكوين السموات وفي نزول الأمطار وخروج النبات ، وفي خلقه الحيوان ومنافعه.
المعنى :
ولقد خلقنا الإنسان ، وقلبناه في أدوار الخلقة وأطوار الفطرة. أفلا يكون ذلك دليلا كافيا على وحدانيته تعالى : واتصافه بكل كمال ، وتنزهه عن كل نقص؟ هذه الأطوار كل طور فيها لا يمت إلى الآخر بصلة.
لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ومن هو الإنسان؟ أهو آدم أم أولاده أو هو لفظ عام شامل للكل؟
أما آدم فخلق من طين لازب (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [سورة ص الآيتان ٧١ و ٧٢].
وأما أولاده فقد خلقت من منى يمنى ، وهذا المنى من الدم ، والغذاء سواء كان نباتا أو حيوانا مصدره الأرض ، إذا الإنسان مطلقا خلق من طين كما نصت الآية ؛ وعلى ذلك نفهم قوله تعالى (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) أى : صلب الرجل وترائب المرأة أى : عظام صدرها ، مع قوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة ٧ و ٨].
تلك نظرية القرآن ـ كلام الله الذي خلق الإنسان من العدم ـ في وضوحها وهي لا تعارض بنظرية النشوء والارتقاء في تكوين الإنسان إذ أنها بنيت على الحدس والتخمين