وقوله : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها).
قال بعضهم (١) : قوله : (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد ما بعث الرسل بإصلاحها من الدعاء إلى عبادة الله ، والطاعة ، ويأمرون بالحلال ، وينهون عن الحرام.
وقال بعضهم : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) : بعد ما خلقها طاهرة عن جميع أنواع المعاصي ، والفواحش ، وسفك الدماء ، وغير ذلك.
ويقال : (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد ما أعطاكم أسبابا تقدرون [بها] على الإصلاح ، وما به تملكون إصلاحها.
وجائز أن يكون المراد بإصلاح الأرض : أهلها ، أي : لا تفسدوا أهلها ؛ وهو كقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) [الطلاق : ٨] والقرية لا توصف بالعتوّ ، ولكن أهلها.
وقوله ـ عزوجل ـ (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً).
قال بعضهم (٢) : خوفا : لما كان في العبادة من التقصير ، وطمعا في التجاوز والقبول ؛ لأنه لا أحد يقدر أن يعبد ربه حق عبادة لا تقصير فيها.
وعلى ذلك روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة أحد إلا برحمته ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ :! قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (٣).
وعلى ذلك ما روى (٤) : «أن الملائكة يقولون يوم القيامة : ما عبدناك حق عبادتك» (٥).
ويجب على كل مؤمن أن يكون في كل فعل الخير خائفا ، راجيا الخوف للتقصير ، والرجاء للقبول (٦).
وقال بعضهم (٧) : خوفا من عذابه ونقمته ، وطمعا في جنته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
قال أهل التأويل إن الجنة قريب من المحسنين ، ويقولون : أراد بالقريب : الوقوع فيها ،
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧٢) وعزاه لابن أبي حاتم عن أبي صالح بنحوه.
(٢) ذكره الرازي (١٤ / ١١٠) في تفسيره بنحوه.
(٣) أخرجه البخاري (١١ / ٣٠٠) كتاب : الرقاق ، باب : القصد والمداومة (٦٤٦٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٦٩) كتاب : صفات المنافقين ، باب : لن يدخل أحد الجنة بعمله (٧١ / ٢٨١٦) عن أبي هريرة بنحوه.
(٤) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧٠) وعزاه لعبد بن حميد عن أبي عيسى بنحوه.
(٥) في ب : العبادة.
(٦) كما يصور لنا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٦٠ ـ ٦١]
(٧) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٦٦) بنحوه.