مصرحا فإنما ذكره بالكناية ، وهاهنا ذكر السوءة في العورة؟!
قيل (١) : السوءة والعورة هما كناية ، لم يذكر الفرج ولا الذكر والدبر ؛ فهو كناية.
والثاني في ذكر تخصيص السوءة ؛ وذلك أن قصد الشيطان إنما كان إلى إبداء عورتهما لا غير.
ألا ترى أن ذلك لم يجعل لغير البشر عورة تستر ؛ ولذلك خصّ الستر بالقبر إذا مات يقبر ؛ لأجل عورته ، ولا يقبر غيره من الدواب إذا هلك ، ولا يستر في حال حياته ؛ فخرج ذكر تخصيص السوءة لما ذكرنا أن اللعين قصد بذلك قصد إبداء عورتهما لا غير.
ألا ترى أنه قال : (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) كان قصده إلى ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ).
قال أبو عوسجة (٢) : طفقا ، أي : أخذا ، تقول طفقت أفعل كذا ، أي : أخذت ، والخصف (٣) : الخياطة في النعل والخف ، وهو مستعار هاهنا.
وقال مجاهد : يخصفان ، أي : يرفعان كهيئة الثوب.
وقيل : يخصفان : يغطيان (٤).
ثم قوله : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ).
إما حياء أحدهما من الآخر أو حياء من الله تعالى ؛ ولهذا نقول : إنه يكره للرجل في الخلوة (٥) أن يكشف عورته ويبديها ، وعلى ذلك (٦) روي في الخبر أنه قال : «فالله أحق أن
__________________
(١) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٩١).
(٢) ذكره بمعناه السيوطي في الدر (٣ / ١٤٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن محمد بن كعب.
(٣) الخصف : تطبيق بعض جلود النعل على بعض ، فاستعير لفعلهما ذلك بورق الجنة على بدنهما لما زال عنهما لباسهما. قيل : هو ورق التين. وفي شعر العباس ـ رضي الله عنه ـ يمدح سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
من قبلها طبت في الظلال وفي |
|
مستودع ، حيث يخصف الورق |
يشير إلى أنه كان من حين كان أبوه آدم وأمه حواء في الجنة. وقيل : معنى الآية يجعلان عليهما خصفة وهي الأوراق. ومنه قيل لجلال الثمر : خصفة. وخصفت الخصفة : نسجتها. قلت : والخصفة : هي الحصير المفترش. وكسا تبّع الكعبة خصفا فلم يقبله. والخصف : غلاظ جدّا.
وعبر بالخصافة عن الرزانة فقيل : فلان خصيف العقل ضد سخيفه ، والخصيف من الطعام. قيل : وحقيقته : ما جعل من اللبن ونحوه من خصفة فيتلون بلونها.
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٥٨٥) ، واللسان مادة (خصف) ، والنهاية (٢ / ٣٨).
(٤) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن السدي ولابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ، وأخرجه بن جرير بمعناه (٥ / ٤٥٢) (١٤٤٠٥) عن مجاهد.
(٥) الخلوة في اللغة : من : خلا المكان والشيء ، يخلوا خلوّا وخلاء ، وأخلي المكان : إذا لم يكن فيه أحد ولا شيء فيه ، وخلا الرجل ، وأخلي : وقع في مكان خال لا يزاحم فيه. ـ