في الشاهد يخرج على ما ذكرنا ، والله أعلم.
ثم قوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ).
قيل (١) : من يصرف عنه العذاب يومئذ فقد رحمه ، وكذلك روي في حرف حفصة (٢) :
من يصرف عنه العذاب فقد رحمه ، وفي حرف ابن مسعود : من يصرف عنه شر ذلك اليوم فقد رحمه.
ويحتمل أن يكون قوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) صلة قوله : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
وكذلك روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنِّي أَخافُ) : قل لكفار أهل مكة حين دعوة إلى دينهم ، على ما ذكر في بعض القصة : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ).
وذلك الصرف ـ يعني : صرف العذاب ـ الفوز المبين ، وإنما ذكره ـ والله أعلم ـ فوزا مبينا ؛ لأنه فوز دائم ، لا زوال له ، وليس كفوز هذه الدنيا يكون في وقت ثم يزول عن قريب ، ولا كذلك فوز الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ).
فيه إخبار أن ما يصيب العبد من الضرّ والخير إنما يصيب به ، ثم الضر المذكور في الآية لا يخلو من أن يراد [به] سقم (٣) النفس ، أو ضيق العيش ، أو شدة وظلم يكون من
__________________
(١) أخرجه بنحوه ابن جرير (٥ / ١٦٠) (١٣١١٨) عن قتادة وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٢) وزاد نسبه لعبد الرزاق وابن أبي حاتم.
(٢) هي : حفصة بنت عمر أمير المؤمنين وأمها زينب بنت مظعون روت عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن عمر ، وروى عنها أخوها عبد الله وابنه حمزة وزوجته صفية بنت أبي عبيد وحارثة بن وهب والمطلب بن أبي وداعة وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وغيرهم. وكانت قبل أن يتزوجها الرسول صلىاللهعليهوسلم عند حصن بن حذافة وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينة فانقضت عدتها فتزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد عائشة. وتوفيت رضي الله عنها سنة ٤١ ه وقيل سنة ٤٥ ه ، وقيل سنة ٢٧ ه ، حكاه أبو بشر الدولابي وهو غلط. ينظر : الإصابة (٨ / ٥١) ت (٢٩٤) ، الاستيعاب (٢ / ٧٣٤) ت (٣٢٤٨).
(٣) يقصد به مرض النفس ، ويقال : أسقمه الداء إسقاما : أمرضه ، نقله الجوهري. وسقمه تسقيما كذلك : قال ذو الرمة :
هام الفؤاد بذكراها وخامرها |
|
منها على عدواء الدار تسقيم |
والمسقام كالسقيم. وفي الصحاح : هو الكثير السقم.
والأنثى مسقام أيضا. وهذه عن اللحياني. وأسقم الرجل : سقم أهله وترادفت عليه الأسقام ، ورجل سقيم مسقم : سقم هو وأهله.
ومن المجاز : قلب سقيم ، وكلام سقيم ، وفهم سقيم ، وهو سقيم الصدر عليه : أي : حاقد.
ينظر : تاج العروس (٣٢ / ٣٦٩).