والمكر ، والخداع (١).
ويحتمل قوله : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي : لو جعلناه ملكا للبسنا عليهم ما لبس [أولئك](٢) على صنيعهم (٣) ؛ حيث قالوا : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] و (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [يس : ١٥] وغير ذلك من الكلام ، لكنا لا نفعل حتى لا يكون ذلك لبسا ؛ إذ ليس في وسعهم النظر إلى الملك ، ولو جعلنا ذلك ملكا لكان ذلك لبسا.
فإن قال لنا ملحد في قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) [سألوا أن ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم [ملك] وقال : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)](٤) وأنتم تقولون : إنه قد أنزل عليه الملك ، وهو أخبر لو أنزل عليه الملك لقضي الأمر ، ولم يقض الأمر ، كيف لآيات لكم إنما اختار ذلك من نفسه ؛ لأن الله أنزل عليه ذلك.
قيل : إنهم إنما سألوا أن ينزل عليهم الملك ـ وإن لم يذكر في الآية السؤال ـ لما ذكر في آية أخرى ؛ كقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١] أو سألوا أن
__________________
(١) تسمية الله تعالى بالأسماء توقيفية يتوقف إطلاقها على إذن الشرع ، ومعنى إذن الشرع وقوع الإطلاق بذلك الاسم في الكتاب أو السنة ، وذلك للاحتراز عما يوهم باطلا ، ولم يكتف في عدم إيهام الباطل بإدراك العقل بل توقف على إذن الشرع للاحتياط ، وليس النزاع في أسمائه الأعلام الموضوعة لذاته في اللغات كلفظة «الله» في العربية ولفظة «يزدان» في الفارسية ، فإنه لا نزاع في جواز إطلاقها من غير توقف على الإذن ، وإنما النزاع في الأسماء المأخوذة من الصفات والأفعال ، فذهب المعتزلة والكرامية إلى أنه إذا دل العقل على اتصافه تعالى بصفة وجودية أو سلبية جاز أن يطلق عليه تعالى اسم يدل على اتصافه تعالى بتلك الصفة ، سواء ورد بذلك الإطلاق إذن شرعي أو لم يرد ، وكذا الحال في الأفعال. قال القاضي أبو بكر : كل لفظ دل على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه تعالى بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهما لما لا يليق بكبريائه ، فمن ثمة لم يجز أن يطلق عليه تعالى لفظة العارف ؛ لأن المعرفة قد يراد بها علم سبقه غفلة. وذهب الشيخ الأشعري ومتابعوه إلى أنه لا بد من التوقيف وهو المختار. والذي ورد به التوقيف في المشهور تسعة وتسعون اسما ، فقد ورد في الصحيحين «أن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة» وليس في الصحيحين تعيين تلك الأسماء ، لكن البيهقي والترمذي عيناها في روايتيهما ، وإنما قيل في المشهور إذ قد ورد التوقيف بغيرها ، أما في القرآن فكالمولى والنصير والغالب والقاهر والقريب والرب والناصر والأعلى والأكرم وأحسن الخالقين وأرحم الراحمين وذي الطول وذي القوة وذي المعارج إلى غير ذلك ، وأما في الحديث فكالحنان والمنان. قال في شرح المواقف : وقد ورد في هذا الحديث في رواية ابن ماجه أسماء ليست في الرواية المشهورة كالتام والقديم والوتر والشديد والكافي وغيرها يعني أنه ذكر في رواية هذه الأسامي بدل بعض ما ذكر في رواية غيره والعدد بحاله. ينظر نشر الطوالع (٣ / ٣٠٩ ـ ٣١١).
وعليه فلا يجوز ماكر وخادع وغيرهما والله أعلم.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : ضعفهم.
(٤) سقط في أ.