ففيه دلالة وجوب الصدقة والعشر في قليل ما تخرج الأرض وكثيره (١).
__________________
(١) فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة في أنواع كثيرة ، زكاة عروض التجارة ، وزكاة الإبل ، وزكاة البقر ، وزكاة الأغنام ، وزكاة الزروع والثمار ، وهكذا ، وحدد لكل نوع من هذه الأنواع مقدارا معينا.
ويهمنا هنا أن نتحدث عن زكاة الزروع والثمار ، من حيث أدلة ثبوتها ، ومقدارها.
أولا : أدلة ثبوت زكاة الزروع والثمار :
ثبتت زكاة الزروع بالكتاب والسنة والإجماع :
من الكتاب :
١ ـ قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام : ١٤١] ووجه الدلالة من الآية أن قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) أي الله سبحانه وتعالى هو الذي أبدع هذه الجنات والثمار والزروع المختلفة الأنواع والأشكال والروائح والطعوم والألوان ، التي ينتفع بها الإنسان والحيوان (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) المعروشات هي ما انبسط على الأرض وانتشر. مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه ، كالكرم والبطيخ والقرع ، والعريش عيدان تصنع كهيئة السقف فتمسكه. وغير المعروشات هو ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش كالنخل والشجر (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أي ثمره الذي يؤكل منه في الهيئة والطعم (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أي متشابها في المنظر وغير متشابه في المطعم ، أو متشابها بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة وغير متشابه في بعضها ، قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) أي أدوا زكاته المفروضة يوم قطعه وجذاذه.
٢ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)[البقرة : ٢٦٧] ووجه الدلالة أن النفقة تطلق على الزكاة ، فيأمرنا الله سبحانه وتعالى بأن ننفق ونزكي من جياد أو من حلال ما نكسبه من الأموال ومن طيبات ما تخرجه لنا الأرض من الثمرات والزروع ، وأن تلك الزكاة يجب إخراجها يوم الحصاد والجذاذ كما هو مقتضى قوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).
ومن السنة :
١ ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : «فيما سقت الأنهار والغيم العشور ، وفيما سقي بالسانية نصف العشور» ووجه الدلالة من الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حدد زكاة ما يسقى من الأنهار والأمطار ، وما يسقى بآلة ، سواء كان زرعا أم ثمرا ، بالعشر في الأول ، ونصف العشر في الثاني.
٢ ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) ، لكن لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه (بعلا) بدل (عثريا) ووجه الدلالة من الحديث جلية كما في الحديث الأول.
وهذه النصوص من الكتاب والسنة بعمومها تقتضي وجوب الزكاة في كل ما تخرجه لنا الأرض ، لا فرق بين زرع وزرع ، ولا بين ثمر وآخر فالكل تجب فيه الزكاة حتى الحطب والحشيش كما مال إليه إمام الظاهرية أبو سليمان داود بن علي وجمهور أصحابه متمسكين في ذلك بظواهر النصوص ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ، إلا فيما يحتمل الكيل فلا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق فصاعدا.
وعن مجاهد وحماد بن أبي سليمان وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي إيجاب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض ، قل أو كثر.
وقال أبو حنيفة وزفر : تجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ، ويقصد بزراعته استغلال الأرض ـ