وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا).
استدل بعض الناس (١) بظاهر هذه الآية أن الجن لهم ثواب بالطاعات (٢) وعقاب بالمعاصي ؛ لأنه أخبر أن لكل [منهم](٣) درجات مما عملوا ، وإنما تقدم ذكر الفريقين جميعا بقوله : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) [وقوله](٤)(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) : ذكر ما كان من الفريقين جميعا من المعاصي والجرم ؛ فعلى ذلك قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) : راجع إلى الفريقين جميعا ، لكل درجات منهم : إن عملوا خيرا فخير ، وإن [عملوا](٥) شرا فشر [وبه](٦) قال أبو يوسف ومحمد ـ رحمهماالله ـ واحتجوا لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أن قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) إنما ذكر على أثر آيات كان الخطاب بها للكفرة دون المؤمنين ؛ فعلى قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) يكون لهم هذا الوعيد خاصة ، ويكون قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) ، أي : دركات ومراتب (٧) من العذاب والعقاب ؛ مما عملوا من المعاصي والتكذيب للرسل ، ولأن الثواب لزومه لزوم فضل ومنّة ، والعذاب توجبه الحكمة ؛ لأن في الحكمة أن يعاقب من عصاه وخالف أمره وأمّا الثواب فوجوبه الفضل ؛ لأنه كان من الله إلى الخلق من النعم والإحسان [ما لو حمدوا كل حمدهم](٨) ما قدروا على أن يؤدوا شكر واحد من ذلك ، فتكون طاعتهم شكرا لما أنعم عليهم ، فإذا كان كذلك لا يكون لأعمالهم ثواب إلا بالبيان من الله ، كما لا يقال للملائكة : إن لهم ثوابا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ، يحتمل (٩) وجهين :
وما ربك بغافل عن أعمالهم التي يعملونها في معصية الله ـ تعالى ـ ولكن يؤخر تعذيبهم ؛ رحمة منه ، وهو كقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ...) الآية [إبراهيم : ٤٢].
والثاني : عن علم بأعمالهم ، وصنيعهم خلقهم ، لا عن جهل ، لكن خلقهم على علم
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٢٧)
(٢) في أ : الطاعات.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : فضائل.
(٨) في أ : ما لو جهدوا كل جهدهم.
(٩) في أ : ويحتمل.