عقوبة له في ترك قبول الهداية ؛ إذ لله أن يهدي الخلق كلهم وأن يشرح صدرهم للإسلام ، لكنهم (١) لم يهتدوا.
وقال فريق منهم : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) طريق الجنة في الآخرة شرح صدره في الدنيا للإسلام ، ومن يرد الله أن يضله طريق الجنة في الآخرة جعل صدره في الدنيا ضيقا حرجا ؛ فيقال لهم : كذلك هو ـ كما يقولون ـ قد قلتم : إنه أراد أن يضلهم ، ثم يقال لهم : تقولون إنه أراد أن يهدي الخلق كلهم ويشرح صدرهم للإسلام ، ثم تقولون : إنه يضل طريق الجنة في الآخرة ؛ فهذا على زعمكم جور ؛ لأنه أراد في الدنيا أن يهديهم ويريد في الآخرة ـ أيضا ـ لهم أن يضلهم عن طريق الجنة لأولئك بعينهم فذا جور على قولكم.
وظاهر الآية يرد قولهم وينقض مذهبهم ؛ لأنه قال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ...) جعلهم على صنفين : صنف أراد منهم أن يهديهم ، وصنف أراد أن يضلهم : من علم منه أنه يختار الهدى ويقبله أراد أن يهديه ويشرح صدره للإسلام ، ومن علم منه أنه يختار الضلال أراد أن يضله ويجعل صدره ضيقا حرجا ، ولا يجوز أن يريد هو ممن يعلم منه أنه يختار الضلال وعداوته الولاية منه ؛ لأن ذلك من الضعف : من أراد عداوته وهو يريد ولايته ، أو يريد منه غير الذي علم كونه منه واختاره.
والمعتزلة يقولون : قد أراد أن يهدي الكل لكنهم أرادوا ألا يهتدوا فلم يهتدوا ، غلبت إرادتهم إرادة الله ـ تعالى ـ فذلك وحش من القول سمج ؛ فنعوذ بالله من السرف في القول والزيغ عن الحق ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ضَيِّقاً حَرَجاً).
قيل (٢) : الحرج ضيق الضيق ، وهو شدة الضيق :
وصف قلب المؤمن بالسعة والفسح ، ووصف [قلب](٣) الكافر بالضيق والحرج ، وليس قلب هذا في رأي العين أوسع من قلب الآخر ، لكنه ـ والله أعلم ـ وصف قلب المؤمن بالسعة ؛ لما انتفع بقلبه في الدنيا والآخرة ، والكافر لم ينتفع بقلبه ؛ فوصفه بالضيق والحرج ، وهو كما وصف الكافر بالصمم والبكم والخرس ؛ لما لم ينتفع بهذه الحواس ، وكذلك سماه ميتا ؛ لما لم ينتفع بحياته ، وسمى المؤمن حيّا ؛ لما انتفع بحياته ؛ فعلى ذلك هذا : وصف الكافر بضيق الصدر ؛ لما لم ينتفع به.
__________________
(١) في أ : بكنهم. وهو خطأ من الناسخ.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٢٩) والرازي في تفسيره (١٣ / ١٤٩).
(٣) سقط في أ.