عَبَثاً ...) الآية [المؤمنون : ١١٥] صير عدم الرجوع إليه عبثا.
وقوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
أي : شغلهم ما اختاروا من الحياة الدنيا والميل إليها عن النظر في الآيات والبراهين والحجج.
أو أن يكون قوله : (وَغَرَّتْهُمُ) ، أي : اغتروا بالحياة الدنيا ؛ أضاف التغرير إلى الحياة الدنيا [لما بها](١) اغتروا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ).
قيل : وذكر به قبل أن تبسل نفس بما كسبت ، وإنما يذكرهم بهذا لئلا يقولوا غدا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢].
وأصل الإبسال (٢) : الإهلاك ، أو الإسلام للجناية والهلاك.
ثم اختلف في قوله : (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) : عن ابن عباس (٣) قال : أن تفضح نفس بما كسبت.
وقيل (٤) : تبسل : تؤخذ وتحبس ؛ وهو قول قتادة ؛ وكذلك قال في قوله : (أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) ، أي : حبسوا بما كسبوا.
وعن ابن عباس (٥) ـ رضي الله عنه ـ : (أُبْسِلُوا) أي : فضحوا ؛ على ما قال في
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) البسل : منع الشيء وانضمامه. ولدلالته على المنع قيل للمحرم والمرتهن : المبسل. ومنه قوله تعالى : (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) [الأنعام : ٧٠] أي تمنع الثواب أو هي مرتهنة بكسبها. ومنه قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨]. وقيل : (تبسل) نفس أي تسلم للهلكة.
والمستبسل : الذي يقع في مكروه ولا مخلص له منه. وأبسل فلان بجريرته أي أسلم للتهلكة وقوله : (أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا)[الأنعام : ٧٠] يحتمل كل ذلك ، ولتضمنه معنى الانضمام استعير لتقطيب الوجه ، فقيل : شجاع باسل أي كريه الوجه مقطبه. وأسد باسل من ذلك.
والبسل وإن كان بمعنى الحرام إلا أنه أخص من الحرام ؛ لأن الحرام يقال في الممنوع بقهر وبغيره ، والبسل لا يقال إلا في الممنوع بقهر ، وقيل للشجاعة البسالة إما لأن الشجاع يوصف وجهه بالعبوس ، وإما لكونه محرما على أقرانه لشجاعته ، وإما لأنه وضع ما تحت يده من أعدائه.
ينظر عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (١ / ٢١٦ ـ ٢١٧).
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٢٩) (١٣٤١٨). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٩) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٢٩) (١٣٤١٥ ، ١٣٤١٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٠) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٣١) (١٣٤٢٤). وذكره السيوطي بمعناه في الدر (٣ / ٣٩) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.